الهندسه الوراثيه


الهندسه الوراثيه

 

الهندسه الوراثيه يشكل الحديث عن الكائنات المحورة بطرق الهندسة الوراثية موضوع نقاش حاد بين رافض و مؤيد أو متخوف منذ عدة سنوات. ولكن قبل الحديث عن مجمل الآراء المتعلقة بهذا التوجه العلمي و تطبيقاته في شتى المجالات يجدر بنا أولا بيان مفهوم الهندسة الوراثية و تعريف أدواتها و طرقها المختلفة و ذلك من أجل فهم أعمق للمواقف المتضاربة حول هذا الموضوع.

1- مفهوم الهندسة الوراثية: Genetic engineering

هي أحد التخصصات الحديثة لعلم الوراثة و التي تعنى بنقل جزء من الـ DNA الحامل لمورثة أو أكثر من كائن إلى آخر، وذلك من أجل أحد الأهداف التالية:
· بحث علمي بحت (المجال العلمي)
· علاج بعض الأمراض (المجال الطبي)
· تحسين خصائص الكائن من أجل زيادة إنتاجه أو رفع نوعيته وفق طبيعة استخدامه (المجال الاقتصادي)

2- مراحل ووسائل التحوير أو التعديل الوراثي:

أ- تحضير الـ DNAالمراد إدخاله إلى الكائن: ويتم ذلك عن طريق وضع المورثة (المورثات) المرغوب في نقلها إلى الكائن ضمن تركيب يسمح لها بالتعبير عن نفسها و بمعرفة مدى نجاح عملية النقل. لذلك تحاط المورثة بمناطق تنظيمية و يوضع بجوارها مورثات أخرى ذات دور انتخابي (مورثات لمقاومة بعض المضادات الحيوية).

ب- استخدام ناقل:
في بعض الأحيان لا يستخدم الناقل و يعوض بحقن مجهري أو ما يسمى بتقانة التفجير (جهاز gene gun) بالإضافة إلى التقانات المستخدمة للبروتوبلاست (خلايا منزوعة الجدار). أما في حال استخدام الناقل فإنه ينبغي اختيار هذا الأخير بما يتناسب مع حجم القطعة المرغوب إدخالها. نميز عدة أنواع من النواقل ذات أحجام وخصائص مختلفة:

· البلاسميد: عبارة عنDNA ثنائي السلسلة حلقي موجود خارج الكروموزوم البكتيري و لديه خصائص تسمح له بنقل قطعة DNA- بعد ضمها إليه- إلى كائن أو خلايا حية. طول القطعة المحمولة يقدر بـ 4Kb) 4000 قاعدة).
· الفاج: فيروس بكتيري مكون من DNA ثنائي السلسلة خطي و يمكنه أن يتحلق. طول القطعة التي يمكنه استيعابها يقدر بحوالي 20Kb.
· الفاجمبد: جزيئات هجينة بين البلاسميد و الفاج. طول القطعة من 4 إلى 10Kb.
· الكسميد: جزيئات هجينة بين البلاسميد و الفاج. طول القطعة من 35 إلى 40Kb.
· الياك:Yeast Artificial Chromosomeالكروموزوم الإصطناعي للخميرة. طول القطعة من 150 إلى .1000Kb
· الباك: Bacterial Artificial Chromosome الكروموزوم الإصطناعي للبكتيريا.

 

 

الهندسه الوراثيه

 

 

 

يتم ضم قطعة الـ DNAإلى الناقل بعد قطع هذا الأخير بنفس إنزيمات القطع التي استخدمت للحصول على قطعة الـ DNA المراد إدخالها.

ج- مضاعفة نسخ المورثة:

يتم إدخال الناقل المؤشب (الحامل للمورثة) إلى بكتيريا أو خميرة قصد مضاعفة عدده و بالتالي عدد نسخ المورثة. من أجل ذلك يعمل على إضعاف الغشاء البلازمي و جعله نفوذا كي يسهل دخول الناقل إلى الخلية البكتيرية أو الخميرة. توضع هذه الخلايا بعد ذلك في وسط يسمح لها بالتضاعف و تضاف إليه مضادات حيوية حتى يمكن انتخاب الخلايا الحاوية على المورثات المقاومة للمضادات الحيوية ضمن التركيب المورثي المذكور أعلاه.

د- تحوير النباتات بواسطة بكتيريا Agrobacterium tumefaciens:

تحوي هذه البكتيريا على بلاسميد يدعى Ti بمعنى Tumour inducing أو مسبب الأورام و هو المستخدم في تحوير الخلايا النباتية بعد تجريده من المورثات الهرمونية المتسببة في حدوث الأورام و إدخال المورثات المرغوب فيها بالإضافة إلى مورثات الإختيار. تزرع البكتيريا الحاوية على البلاسميد المؤشب في وسط به نباتات صغيرة مزروعة في الزجاج in vitro و بذلك يتم انتقال الجزء المكون من التركيب المورثي ((T-DNA الموجود ضمن البلاسميد إلى الخلايا النباتية و ينضم إلى الجينوم النباتي. يتم بعد ذلك الإنتخاب ثم التحليل الجزيئي.

هـ- تحوير الخلايا الحيوانية:
في حالة استخدام ناقل فإنه يكون إما بلاسميد أو فاجميد.
يعتمد المبدأ على فكرة الترسيب المشتركل للـ DNA المراد إدخاله مع DNA النسيج الحيواني الذي نرغب في تحويره. إن وضع الـ DNA الناتج في وسط يحوي خلايا مزروعة يؤدي إلى دخوله إلى أنوية بعض هذه الخلايا حيث ينضم أو لا إلى الجينوم.

3- مبررات الهندسة الوراثية ( في نظر الباحثين و العاملين في هذا المجال ):
· ضرورة فهم الشيفرات الوراثية.
· تفشي الأمراض المستعصية.
· الكثافة السكانية المتزايدة و عدم كفاية الموارد الحالية لسد حاجيات الإنسان ( منتوج زراعي – منتوج حيواني – مواد مختلفة للإستخدام الصناعي أو الغذائي أو الصيدلاني ).

4- المخاوف و الأخطار المتوقعة: نأخذ كل ميدان على حدا:

أ- البحث العلمي البحت:
لا شك أن للهندسة الوراثية دورا هاما في فهم الشيفرات الوراثية و في معرفة المورثات المتحكمة في صفات و خصائص الفرد لا سيما آلية تعبيرها و تنظيمها. غير أن التطبيقات في هذا الميدان يجب أن تتم حصرا في مجال مغلق لا يسمح بتسرب الكائنات المحورة وراثيا قصد الدراسة بما في ذلك طبعا الكائنات الدقيقة التي قد يكون لانتشارها في الطبيعة عواقب سلبية نذكرها لاحقا.

ب- العلاج الجيني:
إن جانبا هاما من البحث العلمي مكرس لأهداف علاجية و بشكل عام يعتبر الدافع الإنساني قويا في هذا المجال حيث يتعلق الأمر بعلاج أمراض تتسبب في موت آلاف البشر سنويا أو على الأقل محاولة التخفيف من وطأتها. أولى تجارب المعالجة الجينية للإنسان كانت سنة 1989 في الولايات المتحدة الأمريكية لمرض سرطان الجلد في مرحلته النهائية وأول تجربة سريرية كانت سنة 1990. معظم المخاوف المتعلقة بتطبيقات العلاج الجيني آتية من الوسيلة المستخدمة في نقل الجينات، و هي الفيروسات التي تهاجم الخلايا ناقلة إليها المورثات الجديدة. هذه الفيروسات المحورة وراثيا قد تنتشر بكل سهولة في الطبيعة عن طريق الإنسان الذي يحملها. أما الطرق الأخرى المذكورة أعلاه فهي نسبيا أكثر أمانا، ولا تبدي خطورة إلا إزاء الفرد المعالج بهذه الطريقة أو في حالة انتقال المورثات إلى الخلايا التناسلية و بالتالي إلى الأجيال القادمة، وتزداد الخطورة عندما يكون العلاج تجريبا و هذا ما يحدث في أغلب الأحيان.

ج- تحسين الإنتاج الزراعي و الحيواني و بعض المواد ذات الاستخدام الواسع:
هو ميدان اقتصادي بحت، يتمثل في تحسين النباتات الزراعية و الحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية، بالإضافة إلى الكائنات الدقيقة ذات الأهمية الصيدلانية و الصناعية و الغذائية. بشكل عام تستخدم مورثة هرمون النمو لزيادة الحجم أو مورثات لتحسين القيمة الغذائية و بالنسبة للنباتات تستخدم بشكل واسع المورثات المقاومة للحشرات و للأعشاب الضارة و كذا المورثات المسببة للعقم الذكري ( تصبح النباتات غير منتجة لحبوب اللقاح و بالتالي يمكن تجنب التلقيح الذاتي خاصة في إنتاج الهجائن ). تستخدم أيضا الجينات المخرسة لغيرها من الجينات بالإضافة إلى المورثات المعلمة المقاومة لبعض المضادات الحيوية ( و ذلك في عملية اختيار الكائنات المحورة وسط جملة الكائنات الخاضعة لتجارب التحوير ).
بالنسبة إلى الحيوانات فقد تم تحوير فأر سنة 1982 بواسطة هرمون النمو فتم الحصول على فأر أكبر مرتين أو ثلاثة من حجمه الطبيعي ( الولايات المتحدة الأمريكية )، و تتابعت التجارب و الأبحاث بعد ذلك على نفس النمط. و في سنة 1994 تم إنتاج أول نبات محور وراثيا و عرضه في السوق ( أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية ) و قد تمثل في ثمار طماطم (بندورة) يمكنها أن تبقى قاسية عدة أسابيع بعد قطفها و ذلك لأهداف تسويقية. بعد ذلك توجهت الأبحاث بشكل مواز في أوربا و في نفس السنة لمقاومة الأعشاب الضارة.
هذا الميدان هو الأكثر طرحا للنقاش، و ذلك راجع إلى المساحة الشاسعة التي سوف تشغلها هذه الكائنات المحورة وراثيا و انتشارها بشكل غير محدود في التربة و الهواء و الماء و بالتالي فهي تثير مخاوف تتعلق بالصحة و البيئة حتى وقتنا الحاضر. تتمثل هذه المخاوف و السلبيات في الجوانب التالية:
– إحداث اختلال في التوازن البيئي و نقص في تنوع الموارد الجينية بسبب طغيان الكائنات المحورة وراثيا العائد إلى امتيازها بصفات مرغوب فيها. يؤدي ذلك بدوره إلى فقدان الموارد الجينية بشكل تدريجي.
– ظهور كائنات مؤشبة برية أو وحشية أو حتى أليفة و مزروعة ناتجة عن حدوث تصالب بين هذه الكائنات البرية و الكائنات المحورة وراثيا ( خطورة هذه الظاهرة تتمثل في انتقال الجينات بشكل غير مرغوب فيه كأن تكتسب الأعشاب الضارة صفة مقاومة المضادات الحشرية أو العشبية بسبب احتكاكها الدائم بالنباتات المكتسبة لهذه الصفات ).
– ما يمكن أن تسببه المواد الناتجة عن التحوير الوراثي من خطر على صحة الإنسان إذا تم استهلاكها مدة طويلة.
– إمكانية إسكات جينات ذات أهمية باقتحام المورثة أو المورثات المدخلة مناطق هامة و بشكل عشوائي قد لا يظهر فورا و إنما بعد فترة من الزمان.
– اقتحام مجموعات ارتباط ( كروموزومات ) انسجمت عبر السنين.
– همجية بعض الطرق المتبعة في التحوير الوراثي ( التفجير ).
– الكائنات الدقيقة المستخدمة في عملية التحوير هي مصدر مخاوف عديدة بسبب إمكانية انتشارها و إحداثها لتلوث عام قد يؤدي إلى انتقال مورثات غير مرغوب فيها كمورثات المضادات الحيوية إلى بعض الكائنات الدقيقة الممرضة و المنتشرة في الطبيعة بشكل واسع.
– ادعاء باطل بكونها وسيلة لإنقاذ الشعوب الفقيرة من المجاعة.
– العامل الأخلاقي: أسلحة بيولوجية، المساس بقداسة الإنسان ككائن مكرم من خلال بعض التطبيقات…

خلاصة القول:
إذا كان لابد من الهندسة الوراثية فلتكن وسيلة للبحث العلمي مع أخذ كل الإحتياطات المخبرية أو لحل بعض المشاكل المستعصية فعلا كبعض الأمراض الخطيرة دون المساس بالخلايا التناسلية و الجنينية و الأهم من ذلك أن يستغنى عنها تماما عند وجود البديل و إن كان وسيلة تقليدية