الأبنية البيئية
الأبنية البيئية

الأبنية البيئية والتنمية المستدامة


تـُعنى التنمية المستدامة بالإجابة عن السؤال: ماذا نفعل كي نضمن توفير حاجات الإنسان والحفاظ على المواطنين بحالة صحية واقتصادية ونفسية مقبولة، بل جيدة، لأطول فترة ممكنة؟
وكي نجيب عن التساؤل ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار حال البيئة بمجالاتها كافة؛ فضلاً عن إدارة الموارد الطبيعية واختيار الأنسب منها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تستدعي أيضاً توفير الحد الأدنى من الراحة والرفاهية المطلوبة كي يكون الإنسان إنساناً.

الأبنية البيئية
الأبنية البيئية

منذ صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، في عام 1987، بدأ مفهوم التنمية المستدامة يأخذ أبعاداً تتضمن الإدارة الواعية للمصادر الطبيعية المتوافرة لتوفير احتياجات الأجيال القادمة وإعادة تأهيل البيئة المتدهورة ومحاولة تغيير نوعية النمو الاقتصادي بارتكازه على مصادر نظيفة للطاقة ومعالجة مشكلات الفقر وسد حاجات الإنسان الأساسية على نحو يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات حماية البيئة، وذلك من خلال تطوير وسائل الإنتاج واستخدام التكنولوجيا الرفيقة بالبيئة. ونضرب مثلاً على ذلك عبر تحقيق التنمية المستدامة بواسطة تصميم الأبنية مناخيا.

الأبنية البيئية والتنمية المستدامة

إن علاقة التنمية المستدامة بالتصميم المناخي للأبنية وعزلها حرارياً؛ هي في الأصل مستمدة من فكرة الراحة الحرارية في داخل الأبنية السكنية والمكاتب والمصانع والأبنية العامة، وهي أيضاً مستمدة من حقيقة حماية العازل الحراري للبناء من التشققات ومساهمته في توفير الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية، كالوقود التقليدي، التي نحرقها لتحقيق حاجات الإنسان ورغباته اللامتناهية، من دون أي اعتبار لحجم التلويث الذي أصاب عناصر البيئة المتنوعة أو حجم الدمار المتوقع عند نهاية هذا القرن.

فما هي الراحة الحرارية في الأبنية السكنية، وكيف يمكن أن تقوم علاقة بين الراحة الحرارية والتنمية المستدامة ؟     

 

عندما يقوم بناء تقليدي من الحجر المصفح بالخرسانة أو من الطوب الخرساني المفرغ أو من خرسانة الدك، وهي وسائل البناء التقليدية في المنطقة العربية، فإنّ درجة حرارة أسطح الجدارن وسقوفها من الداخل تكون مرتفعة جداً في فصل الصيف، في الوقت الذي تكون فيه متدنية جداً في فصل الشتاء.
بناءً على ما تقدم فإن استعمال العازل الحراري بطريقة مناسبة في جدران الأبنية وسقوفها المكشوفة يؤدي إلى رفع درجة حرارة أسطح عناصر البناء الخارجية من الداخل في فصل الشتاء أو تخفيضها في فصل الصيف، وذلك باستخدام أقل طاقة ممكنة، وبذلك يكون الإنسان مرتاحاً في داخل بيته صيفاً شتاءً، فلا يتصبب عرقاً صيفاً ولا يرتجف من البرد القارص شتاءً.
هذه الراحة الحرارية التي يقدمها العزل الحراري لقاطني البناء، الى جانب دراسة حركة الشمس والرياح وشدتها ونحو ذلك، تجعل من البناء موئلاً بيئياً مريحاً ومستداماً لا يرغب أصحابه في هجره أو بيعه، كما لا يرهق هذا البناء الصحي المريح كاهلهم بمصاريف إضافية، ولا يثقلهم أيضاً بالقلق المستمر بحثاً عن أسباب عدم الراحة أو أسباب الأمراض التنفسية أو الأزمات القلبية وتصلب الشرايين. ناهيك بتوفير المياه الناجم عن عدم الحاجة إلى الاغتسال والاستحمام المفرط صيفاً نتيجة الشعور بعدم الراحة الحرارية في داخل الغرف. وهذا يساهم في المحافظة على الموارد الطبيعية أيضاً.
فضلاً عمّا سلف، فإن رفع درجة حرارة أسطح الجدران أو السقوف من الداخل في الأبنية غير المعزولة حرارياً، وذلك خلال فصل الشتاء، يتطلب زيادة قدرة وسائل التدفئة كثيراً بحيث يصبح المكان مريحاً للسكان. وهذا الرفع في درجة الحرارة يؤدي إلى هدر كبير في الطاقة وإلى إطالة فترة تشغيل التدفئة خلال اليوم البارد إلى ساعات طويلة إضافية. وبذلك تزيد تكلفة تدفئة البناء أو تبريده، وتزيد كذلك مصاريف صيانته، الأمر الذي يعيق استدامة مشاريع التنمية نتيجة هدر نسبة مهولة من رأس المال الضروري لها.
وبناءً عليه، فإن تحقق عناصر التنمية المستدامة في الأبنية، كحال تحقق العزل الحراري الجيد والتصميم المناخي المناسب، على سبيل المثال لا الحصر، هو الذي يجعل من الأبنية موائل بيئية مناسبة بغض النظر عن شكل هذه الأبنية، تراثية كانت أم حديثة؛ وبغض النظر عن المواد المستخدمة في بنائها؛ محلية كانت أم مستوردة!