الأجنحة المتراجعة والمتقدمة


الأجنحة المتراجعة والمتقدمة قد يعتقد الكثير من الناس إن محركات الطائرة هي من تمكنها من الطيران والتحليق، لكن الحقيقة تخالف هذا الظن، فلو ثبتنا هذه المحركات على أي جسم آخر لما تمكن من الطيران، فالمحرك سيدفع بالجسم إلى الأمام فقط دون رفعه عن الأرض إلا لو تم توجيه الجسم للأعلى.

فما هو الجزء أو الأداة التي تمكن الطائرة من التحليق؟

الأجنحة المتراجعة
قد يستغرب البعض هذا، لكن الجناح (Wing) هو الجزء الموكل إليه إنتاج القوة اللازمة لرفع الطائرة، قوة الرفع (Lift Force)، والتي تنتج عن مرور الهواء على الجناح، أو اندفاع الطائرة بواسطة المحرك خلال الهواء. قوة الرفع هذه تعمل على الحفاظ على الطائرة محلقة (أو معلقة). ولا أدل على ذلك، تمكن الطائرة من التحليق أو الانزلاق (Glide)، وبقائها في الهواء، في حالة فقدها للدفع لأي سبب. فالطائرة تستطيع التحليق والمناورة في حالة فقدها للمحرك، لكنها بلا أجنحة لا أمل لها بالبقاء[1].الأجنحة المتراجعة
والناظر لتاريخ الأجنحة يدرك مقدار الجهد المبذول لتحسين أدائها، والحفاظ عليها. فمن الأجنحة الخشبية المدعمة بالأسلاك والمغلفة بالقماش، في شكلها المزدوج، إلى الأجنحة الثخينة الفارغة، حتى الأجنة القوية المرنة. وحتى لا يأخذنا الحديث، سنحاول الدخول لموضوعنا من أقصر الطرق.الأجنحة المتراجعة

لماذا تتخذ بعض الأجنحة الشكل المتراجع (Swept Back wing)؟الأجنحة المتراجعة

بشكل مباشر يمكننا القول، إن الطائرات ذات الجناح المستقيم هي طائرات ذات سرعة بطيئة أو متوسطة، أما الطائرات ذات الأجنحة المتراجعة، فهي طائرات تتمتع بنطاق سرعة عالٍ يصل في بعضها إلى 0.8 من سرعة الصوت (Speed of Sound – Mach). وهنا نجد أن علامة استفهام ظهرت، لتقول: ما الخاصية التي تمنح الجناح المتراجع هذه الميزة في الوصول لسرعات تحليق عالية؟

بداية يصنف الجناح على إنه سطح تحكم ثابت (Fixed Control Surface)، بمعنى إنه سطح يقوم بالتحكم بالطائرة في وضعية الثبات، وهذا يجعل من اليسير الاستفادة منه، والعمل عليه. فلو أخذنا جناحاً مستقيماً ونظرنا إليه من قريب، لوجدنا إن الهواء خلال الطيران (أو حركة الجناح خلال الهواء) يكون في اتجاه المحور الطولي للطائرة (Longitudinal Axis)، وعموديا على المحور العرضي للطائرة (Lateral Axis)، بامتداد الأجنحة، لكن بالنسبة للجناح فإن الهواء يقطعه عرضيا في اتجاه الأضلاع (Rib). والنتيجة إن السرعة التي يواجه بها الجناح الهواء هي سرعة تحليق الطائرة (ذاتها)، وهي التي تُنتجُ قوة الرفع اللازمة.
تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لرؤية الصورة كاملة. الحجم الأصلي للصورة هو 605 * 752.

الأجنحة المتراجعة

والآن، ماذا لو سحبنا الجناح للخلف، وأسمينا الزاوية الناتجة عن سحب الجناح بزاوية التراجع (Swept Back Angle)، وطبقنا ذات الأمر. سنجد أن الجناح هنا لا يواجه الهواء بشكل مستقيم (أو قائم) وإن الهواء سيقطع مسافة أطول باتجاه الأضلاع. هذا يضطرنا لتحليل مركبة السرعة إلى مركبتين، وستكون النتيجة:
مركبة عمودية (V Cos a)، في مواجهة الجناح، وهي التي ينتج عنها الرفع، وتكون في اتجاه أضلاع الجناح.
مركبة موازية (V Sin a)، في اتجاه امتداد الجناح، باتجاه طرفه (Wing Tip).
تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لرؤية الصورة كاملة. الحجم الأصلي للصورة هو 608 * 716.

وحيث إن جيب تمام الزاوية (جتا) أقل من واحد، للزوايا الأكبر من صفر، فإن قيمة السرعة التي يواجه بها الجناح الهواء (فعلياً) هي أقل من سرعة تحليق الطائرة، بالتالي يمكن للطائرة زيادة سرعتها.

فيما تفـيد هذه الخاصية؟

الأجنحة المتراجعة
من المعلوم، إن قوة الرفع تنتج عن الفرق في الضغط أعلى وأسفل الجناح، ونعني ضغط الهواء أو ضغط سريان الهواء. فالضغط أسفل الجناح يكون أعلى، وبالتالي تكون سرعة سريان الهواء أقل، وعلى العكس منه، فإن الضغط أعلى الجناح يكون أقل، ونتيجة لذلك تكون سرعة الهواء عندها أعلى منها للسريان الهواء، وتعرف هذه الظاهرة بـرقم الماخ الحرج (Critical Mach Number)، وهو أقل مستوى لرقم الماخ بحيث يصل تيار الهواء المار فوق نطاق ما بالجناح إلى سرعة الصوت[2].

فلو افترضنا أن الطائرة تعمل عند سرعة تحليق 0.7 من سرعة الصوت، فإن الاحتمالية كبيرة جداً لأن تصل سرعة الهواء أعلى الجناح لسرعة الصوت (أو تتعداها)، الأمر الذي يؤثر سلباً على خصائص السريان أعلى الجناح مما يسبب اضطرابها وبالتالي فقد الجناح للرفع.الأجنحة المتراجعة
هذا الأمر يمكن تلافيه بسحب أو إرجاع الجناح للخلف، حيث تكون المركبة العمودية لسرعة السريان والمسئولة عن إنتاج الرفع أقل من سرعة التحليق، كون الزاوية أو جيب الزاوية سيجعل من قيمة السرعة (المركبة العمودية) أقل منها لسرعة السريان الحقيقية، بمعنى: لو كانت سرعة تحليق الطائرة هي 0.7 من سرعة الصوت -وهي ذاتها سرعة السريان-. وكانت زاوية تراجع الجناح 25 درجة زاوية.الأجنحة المتراجعة

فإن المركبة العمودية للسريان تكون (V Cos a) = سرعة السريان × جيب زاوية تراجع الجناح (جتا)
وبالتالي = 0.7 × جتا 25 = 0.63 من سرعة الصوتالأجنحة المتراجعة

هذه النتيجة تقودنا للقول : أنه بتراجع الجناح، تقل احتمالية حدوث موجة صدمية (Shock Wave)، وبالتالي يمكن للطائرة التحليق بسرعة أكبر. ولكن ما علاقة هذا كله بالسؤال عن جناح الطائرة SU-47.
الأجنحة المتقدمة (Forward-swept wing)
هنا قد يتساءل البعض، هل ثمة أجنحة متقدمة وأجنحة متراجعة؟
الإجابة ببساطة: نعم.
ثمة نوعان تصنف بهما الأجنحة التي تكون بزاوية على بدن الطائرة، وهنا لا نعني زاوية توضع الجناح (Incidence Angle)، إنما زاوية الجناح التي يثبت بها على الطائرة، أو الزاوية التي تمثل انسياب الجناح على البدن. وهو ما لفت السائل.

تم تصغير هذه الصورة. إضغط هنا لرؤية الصورة كاملة. الحجم الأصلي للصورة هو 1024 * 768.

الصورة أعلاه، توضح الشكل العام للطائرة SU-47 والجناح المتقدم، الذي سُؤلـنا عنه. وتعتبر هذه الطائرة من المقاتلات القلائل التي صنعت بهذا الجناح، ونذكر إن أول من قام بتجربة هذا النوع من الأجنحة كان الاتحاد السوفيتي –سابقاً- عام 1948 من خلال النموذج OKB-1 EF 140.
ومن بعد قامت أكثر من شركة مصنعة بتجربة هذا النموذج. ولعل أشهرها الـSU-47 التي انطلق نموذجها الأولي في 1997. أما بالنسبة للطائرات المدنية فهذا النوع لم يستخدم إلا في بعض النماذج، لطائرات صغيرة الحجم.

في العموم، الجناح المتقدم خرج كتصميم في العام 1936 على يد مهندس تصميم ألماني[3]، وهذا الشكل يقدم ذات خصائص

الجناح المتراجع للخلف والتي وُضحت أعلاه، لكن هذه الوضعية تمتلك خاصيتان إضافيتان:

 

[4] أولاهما، وهي إنشائية، إذ الجناح المتقدم يتطلب عند إنشائه أو تركيبه أن يكون متأخراً للخلف، مما يتيح مساحة أكبر لبدن الطائرة، ومن الممكن الاستفادة منها في تخزين الأسلحة في الطائرات العسكرية.

الثانية، أن هذا الشكل أو التصميم يجعل الهواء ينساب من طرف الجناح إلى داخل الجناح، قاعدة الجناح أو جذر الجناح (Wing Root) -كما في الصورة أعلاه-، هذا يقلل من تأثر الدوامات الطرفية للجناح (Wing tip Vortex)، مما يعني الحد من انهيار الجناح (Wing Stall) عند أطرافها وعند استخدام الجنيحات عند زاوية هجوم كبيرة (High Angle of Attack)، وهذا يجعل الجناح أكثر مرونة عند أداء المناورات خاصة عند بلوغ الطائرة لمرحلة سرعة الصوت الانتقالية (Transonic Speed).