المادة العضوية في التربة


المادة العضوية في التربة:

1

سبق في بداية النشرة أن وصفنا المادة العضوية بشكل عام أنها كل مادة يرجع أصلها إلى بقايا نباتية أو حيوانية، وبذلك فالمادة العضوية في التربة هي عبارة عن بقايا نباتية كالجذور والأوراق المتساقطة وبقايا المحاصيل المتخلفة عن الحصاد وبقايا حيوانية كبقايا الحيوانات النافقة والكائنات الحية الدقيقة الموجودة في باطن الأرض بعد موتها والتي سميناها بالميكروبات أو الجراثيم هذا ويضاف إلى البقايا الحيوانية والنباتية الموجودة في التربة مايجلب  إليها على شكل أسمدة عضوية طبيعية أو صناعية.

نسبة المادة العضوية في التربة:

تختلف نسبة المادة العضوية في التربة من مكان لآخر حسب المعاملات الزراعية والإضافات العضوية والمناخ السائد في المنطقة.

فقد اعتبرت التربة الزراعية التي تحتوي 2% فما فوق من وزنها مادة عضوية من الأراضي الغنية بالمادة العضوية. واعتبرت التربة الزراعية التي تحتوي 1-2 % من وزنها مادة عضوية من الأراضي ذات المحتوية المتوسط من المادة العضوية.

واعتبرت التربة الزراعية التي تحتوي على أقل من 1% من وزنها مادة عضوية من الأراضي الفقيرة بالمادة العضوية. هذا مع التأكيد على أن هذه الأرقام والتسميات خاصة بتربة القطر العربي السوري ولظروفه المناخية ومع تطلعنا أن ترفع هذه الأرقام في المستقبل بالتوسع في التسميد العضوي إذا تعاون معنا الأخوة الفلاحون.

التغيرات التي تطرأ على المادة العضوية:

كلنا يعرف أن النباتات المزروعة في حقل مافي موسم من المواسم ستترك بقايا نباتية سواء كانت محاصيل حقلية كالقمح والشعير والعدس وهي ستترك في الأرض بعد الحصاد كمية كبيرة من السوق والجذور أو كانت أشجار مثمرة سيتساقط منها أوراق وأفرع صغيرة أو كانت خضراوات وهي ستترك أوراق وسوق وجذور بعد انتهاء الموسم.

في الموسم التالي ستفلح الأرض استعداداً لتحضيرها لزراعة محصول جديد وبالفلاحة ستطمر البقايا النباتية في التربة. وهنا تبدأ عملية تحلل هذه البقايا بفعل الأحياء الدقيقة الموجودة بكثرة وبأنواع متعددة منها التي تعمل وتنشط في وجود الهواء ومنها على العكس تعمل في غياب الهواء هذا ولاننسى ماتقدمه مياه الأمطار الهاطلة في فصل الشتاء ومياه السقاية من مساعدة لعملية تحلل المادة العضوية في التربة وهكذا تستمر عملية التحلل هذه وتختلف سرعتها حسب المادة العضوية نفسها فهناك مواد عضوية سريعة التحلل مثل الروث والقش وأخرى بطيئة التحلل نظراً لتركيبها المعقد مثل العظام وقرون الحيوانات وجلودها.

وإذا راقبنا هذه العملية لوجدنا في الموسم القادم أن البقايا النباتية التي طمرت في الأرض في الفلاحة قد تفككت إلى أجزاء صغيرة وتغير لونها إلى الأسمر وأصبح قوامها هلامياً إذا كان تفككها لم يكتمل بعد وذات لون أسود قوام رخو ولزج إذا اكتمل تفككها وهي في هذه المرحلة تمسى المادة العضوية المتخمرة شبه دبالية. وباستمرار التفكك والتحلل تختفي المادة العضوية من التربة مخلفة رماد أسود يشبه القهوة المطحونة وهذا مايسمى بالدبال.

هذا الرماد الأسود هو مانسعى للحصول عليه بإضافة المادة العضوية للتربة إذ هو ذو قدرة عجيية على امتصاص المياه فالحجم منه يستطيع امتصاص عدة أمثال حجمه من الماء فينتفخ ليصبح قوامه اسفنجي ذو ثقوب كاسفنج البحر وهو بالإضافة إلى قدرته العجيبة على امتصا الماء يعتبر مخزن الأرض للعناصر الغذائية.

الدبال وخصوبة التربة:

لكي نفهم الدور الهام للدبال في التربة علينا معرفة مايقوم به من تحسين لقوام التربة وخصوبتها, فمن الناحية الخصوبية عندما تروى الأرض سواء بالسقاية أو بمياه الأمطار الهاطلة تنطلق ذرات الكلس إلى ماء التربة وكذلك بقية الذرات كالفوسفور والحديد ويشكل مع الكلس معقد يصعب على جذور النباتات امتصاصه والاستفادة منه وهذه ظاهرة معروفة في الأرض الكلسية كغوطة دمشق ومن علائمه اصفرار أوراق النباتات لنقص عنصر الحديد نتيجة ارتباطه بالكلس وصعوبة امتصاصه.

أما وجود الدبال في مثل هذه الأراضي فهو عبارة عن صمام أمان حيث يمنع الكلس من تشكيل المعقدات، أما من الناحية الفيزيائية أي مايتعلق بقوام التربة فهو يحسنها حيث يزيد تماسك الأتربة الرملية ويوفر لها المواد اللاحمة بين ذرات التربة وبالتالي يزيد قدرتها على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية.

وهو يحسن قوام الأتربة الطينية الثقيلة حيث يفككها ويحسن نفاذيتها وتهويتها فيوفر بالتالي لجذور النباتات وسطاً مناسباً لنموها. وأما الدبال نفسه سيستمر بتحلله في التربة وسيصبح بعد فترة سائل أسود هو عبارة عن أحماض عضوية تتفكك بالنهاية إلى عناصر معدنية غذائية يمتصها النبات بعضها من الماء الأرضي ويتبخر البعض الآخر إلى الجو عن طريق المسامات الدقيقة للتربة.

وبذلك تكون المادة العضوية التي أضفناها للتربة قد أكملت دورتها في الطبيعة وعادت في النهاية إلى عناصر أولية كما بدأت وهذا مايدعونا للاستمرار بإضافة الأسمدة العضوية للتربة للتعويض عما يتحمل فيها.

إن أراضي القطر العربي السوري كلسية غضارية فيه بذلك مستعدة لأن تصبح من أجود الأراضي الزراعية عندما تتوفر لها المادة العضوية اللازمة الدبال الكافي فيتحد الدبال عندئذٍ مع الكلس ويمتصه الغضار بشدة ويتشكل لدينا الدبال الكلسي فخر كل زراعة راقية فيتحول قوام التربة إلى قوام حبيبي جيد ويرتفع مخزون التربة من مختلف العناصر الغذائية وتصبح خصبة ذات إنتاج عالي ومستقر.