التلقيح النباتي


التلقيح أو التأبير هو انتقال حبوب اللقاح الناضجة من مئبر النبتة أو الزهرة الى ميسم الزهرة نفسها ، وهو ما يسمى بالتلقيح الذاتي .التلقيح النباتي
او الى ميسم زهرة أخرى ، وهو ما يسمى بالتلقيح الخلطي .
ورغم أن معظم النباتات تحتوي على ازهار خنثى ، الا ان عملية التلقيح بواسطة عوامل خارجية غير ذاتية – وخصوصا بواسطة الحشرات – تظل الأكثر انتشارا والأفضل لانها تؤدي الى تطوير خصائص النبتة ومنحها قدرات جينية متنوعة ومتميزة، وبالتالي منحها قوة اكثر على مقاومة الامراض والآفاتالتلقيح النباتي
التلقيح النباتي
وتتعدد وسائل التلقيح وطرقه لكنها تظل غالبا تعتمد على الوسائل الطبيعية المحضة والتي تتلخص في ثلاثة وسائل
التلقيح الحيواني
التلقيح الريحي
التلقيح المائيكما و يصادفنا مصطلح “التلقيح الاصطناعي” و يقصد به التلقيح الذي يتم من طرف الانسان مثل عملية تلقيح النخيل والذي يلجأ اليه بالضرورة نظرا لأن وسائل التلقيح الطبيعي للنخلة تعطي نتائج متواضعة على مستوى جودة الثمار
كما تحتاج شجرة الفانيليا كذلك الى تدخل من طرف الانسان من أجل اتمام عملية التلقيح نظرا لوجود ما يشبه نمو زائد على شكل لسان يمنع أي اتصال بين سداة زهرة الفانيليا وبين المدقةولايحدث الاخصاب بتلقيح طبيعي الا في موطنها الأصلي وهو المكسيك والذي يقوم به نوع من النحل “لاميليبون” ولا يوجد باي مكان آخر بالعالمالتلقيح النباتي

وفي دراسة احصائية تعود الى سنة 2006 لانواع الزراعات المعتمدة على التلقيح تبين ان 75 في المائة من المنتوجات الزراعية تعتمد اعتمادا كليا على التلقيح غير الذاتي من طرف الحشرات وخصوصا النحل
وفي غياب هذه الاخيرة فان ذلك يتطلب تدخلا من طرف الانسان والقيام بتلقيح اصطناعي
كما تبين ان حجم الانتاج يتضاعف بنسبة ما بين خمسة في المائة الى خمسين في المائة عند وجود عوامل تلقيح غير ذاتي

وسأحاول هنا أن أعرض لمحة عن كل وسيلة من وسائل التلقيح في علم النبات مرتبة حسب الأبرز والأكثر انتشارا

التلقيح الذاتي هو كما سبق توضيحه هوالاخصاب الناتج عن اندماج اندماج النواة المذكرة مع النواة المؤنثة داخل الزهرة نفسها او زهرة أخرى على نفس الساقالتلقيح النباتي
وهذا النوع من التلقيح بالرغم من أنه من احد وسائل حفظ النوع والتكاثر في عالم النباتات الا ان له بعض السلبيات
حيث انه يفقر الموروثات الجينية للنبات و يحد من تنوعها تماما كما هو الحال عند الانسان في حالة زواج الأقارب .
وهذا بدوره يؤدي الى عدم قدرة النبات على التأقلم مع مختلف الظروف البيئية
و يمثل هذا العامل نسبة كبيرة من مختلف الاسباب التي تؤدي الى انقراض النباتات
من بين النباتات التي تعتمد على التلقيح الذاتي : الفول السوداني و الفراولة و الطماطم . . .

التلقيح النباتي

التلقيح غير الذاتي : ويتم عبر طرائق ووسائل مختلفة وهي كالتالي :

التلقيح الحيواني( zoogamie )

1- بواسطة الحشرات (entomogamie )

الازهار الملقحة من طرف الحشرات عادة ما تتميز بألوان جذابة ورائحة قوية قد تكون عطرة وقد تكون كريهة
وحبوب الطلع تكون كبيرة الحجم لزجة تلتصق بسهولة باجسام الحشرات وغنية جدا بالبروتينات
ومن المؤكد ان اختلاف اشكال الزهور واختلاف ألوانها و روائحها يلعب دورا في اجتذاب فئة معينة من الحشرات
وهذا ما جعل بعض العلماء يعتقدون بوجود علاقة تبادلية بين تطور وتغير اشكال الازهار واشكال الحشرات الملقحة
حيث تقوم بعض الازهار بتطوير شكلها بناءا على شكل الحشرات التي تقوم بزيارتها وتلقيحها ، فتتخذ شكلا يسهل للحشرة القيام بعملية التلقيح أو تتخذ شكلا يقارب شكل اناث هذه الحشرات حتى تجتذبها اليها . . .

التلقيح الحشري يعد احدى اهم وسائل التلقيح الطبيعي وأنجعها وأكثرها انتشارا ويساهم في تكاثر وحماية العديد من النباتات والحشرات كذلك
فاذا كانت الحشرات تساهم بالنسبة الاكبر في حماية النباتات وضمان بقائها واكثارها فان الازهار هي الاخرى يمكن اعتبارها بمثاية الزاد والمأوى للعديد من الحشرات نظرا لما تحتوي عليه حبوب الطلع من غذاء غني بالبروتينات

ويعد النحل من بين اكثر الحشرات التي تساهم في عملية التلقيح النباتي ( 80 في المائة من مجموع النباتات الملقحة حشريا تلقح من طرف النحل )
في الولايات المتحدة تم تقدير مساهمة النحل في الموسم الزراعي لسنة2000 ب 15 : مليار دولار
ويستطيع جسم النحلة الموبر ان يحمل فوقه 100000 حبة من حبوب لقاح شجيرة الكيوي مثلا بينما يتناقص هذا العدد الى مائة مرة أقل عند باقي الحشرات الاخرى الملقحة

للاسف هذه الحشرة النعمة تتهددها اخطار عدة وتتناقص اعدادها سنويا بشكل ملحوظ
والسبب الرئيسي في ذلك لا محالة هو استعمال المبيدات الكيماوية في المجال الزراعي والتغيرات المناخية التي يشهدها العالم
يساهم كذلك في عملية التلقيح من الحشرات : الفراشات والدبابير و النمل والعث والذباب والخنافس . . .

2-التلقيح بواسطة الطيور ornithophilie )

 

التلقيح النباتي
ينتشر هذا النوع من التلقيح في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية
ازهار النباتات التي تلقح من طرف الطيور غالبا ما يكون التويج ضيقا وطويلا حيث يحشر الطائر منقاره ، فتلتصق حبوب الطلع بالريش الذي يغطي رأسه فينقله تلقائيا الى زهرة اخرى وتحدث عملية التلقيح
وغالبا ما تجتذب الطيور الزهور الحمراء وهو اللون الذي يتراءى لها بوضوح بعكس الحشرات التي يجتذبها اللون الأصفر
ونادرا ما تجد الطيور تتغذى على رحيق الزهور كما هو الاعتقاد السائد ، لأن هذه العملية تتطلب ان يكون الطائر في وضع ثابت حتى يستطيع ان يرشف الرحيق بكل سهولة
وهذا طبعا غير ممكن الا في بعض النباتات التي يمكن شكلها للطائر ان يحط فوقها ويتغذى من رحيق الأزهار
ما يجتذب الطائر في غالب الأحيان كما اكدت احدى الدراسات الحديثة هو الحشرات الموجودة بداخل الزهرة والتي يمكنه التقاطها وهو في وضعية الرفرفة بالجناحين دون الحاجة الى اعتماد وضعية الثبات فوق غصن النبتة

ومن الامثلة على هذا زهرة اوركيد مدغشقر( Stanhopea graveolens ) التي تفرز رائحة قوية تجتذب الذباب الصغير الذي بدوره يجتذب العناكب
وهذه الأخيرة تعد الوجبة المفضلة لعصفور الشمس
وهكذا تحدث عملية التلقيح بانتقاله باحثا عن وجبته المفضلة من زهرة الى أخرى حاملا في ريشه حبوب اللقاح

3 -التلقيح بواسطة بعض الخفافيش : (cheiroptérophilie)

رغم ان طائر الخفاش يقتات على الحشرات وبعض انواع الثدييات ، الا ان بعض انواعه يمكن ان تتغذى على بعض انواع الفواكه او بعض الزهور و الرحيق الذي تمتصه منها بواسطة شكل اللسان الذي وهبها الله ليؤهلها لذلك
فتعتبر اذن الخفافيش من الحيوانات الني تساهم بدور بارز في عملية تلقيح واكثار النباتات خاصة النبتات الطبية
اما عن وسائل اجتذاب الزهور للخفافيش فهي تتم طبعا بواسطة الرائحة القوية وغالبا ما تكون الزهور كبيرة الحجم وتتفتح ليلا وكذلك بواسطة اصدار اشعة فوق بنفسجية على اعتبار ان الخفافيش من الطيور الليلية

نثر البذور: (zoochorie)

من بين الوسائل التي تتكفل بها الطبيعة من اجل اكثار النباتات ، تعد الحيوانات المختلفة من طيور وثدييات وحشرات ابطالها الرئيسية و يمكن ادراجها ضمن باقي انواع التلقيح الحيواني السالفة الذكر
وتساهم هذه الطريقة في اكثار النباتات وتوسيع مجال انتشارها على اوسع المساحات واغناء الموروثات الجينية للنباتات
وتتم هذه العملية بواسطة ثلاثة طرق
بواسطة بعض القوارض و السناجب و كذا بعض انواع الغربان . . . حيث تعمد هذه الحيوانات الى جمع بذور بعض النبتات وتخزينها من أجل مؤونة الشتاء فيحدث ان تنسى مكان تخزينها او يموت الحيوان ، وبالتالي تنبت هذه البذور المخزنة في غير المكان الاصلي الذي نقلت منه

بواسطة النمل myrmécochorie
تتأتى هذه الطريقة عن طريق شكل البذرة الذي يسمح للنملة بتسهيل حملها ونقلها من خلال نمو زائد في البذرة غني بالمواد الدهنية يسمى élaiosome

و كل ما يجتذب النملة هو هذه المادة اللزجة فقط ، وحين تنتهي منها تقوم بطرح ما تبقى من البذرة خارج مسكنها

يوجد بالعالم 3000 نوعا من النباتات التي تتكاثر بهذه الطريقة من بينها ازهار البنفسج البري وزهرة الثلج وبعض انواع نبات الخروع …

و تعد الطيور هنا اغلب العناصر الحيوانية المساهمة في نقل البذور بهذه الطريقة
وتوضيحها هو كالتالي : بذور بعض النباتات تكون مزودة بقشرة خارجية من أجل الحماية
يقوم الطائر بالتقاطها وابتلاعها ونظل البذرة رغم ذلك كما هي لا تتاثر قدرتها على الانبات بالرغم من مرورها بالجهاز الهضمي للطائر وعصارته المعديةالتلقيح النباتي
وحين تخرج مع فضلات الطائر تنبت بمكان آخر غير المكان الاصلي الذي نقلت منه التلقيح النباتي

وبهذا تتوسع مساحة تكاثر النباتات ونطاق انتشارها بواسطة عوامل طبيعية بحتة لا مجال فيها للتدخل الانساني
من بين النباتات التي تتكاثر بهذه الطريقة : الفروالة العليق الكرز وشجيرة الطقسوس والسفرجلية

الازهار التي تلقح بواسطة الرياح غالبا ما تكون صغيرة وضاربة الى الخضرة ، وتكون المياسم كبيرة جدا ومتفرعة وبارزة للخارج بشكل ظاهر، مع كثرة عدد حبوب اللقاح وصغر شكلها وخفة وزنها حتى يسهل نقلها عند هبوب الرياح بسهولة
وعلى النقيض من النباتات التي تعتمد آلية التلقيح عير الحشرات فانه لا يشترط فيها ان تتميز بالوان او روائح جاذبة للحشرات او قيمة غذائية عالية
ويندرج تحت هذا النوع بعض انواع الحشائش والصنوبريات واشجار القيقب . . .
من سلبيات هذه الوسيلة أن العديد من حبوب اللقاح المذكرة تضيع في الهواء وقد تسقط على الازهار المؤنثة او تسقط تحتها
وفي بعض السنوات التي يكون فيها انتاج حبوب اللقاح غزيرا قد يصل عددها داخل المتر المربع الواحد الى 300 مليون حبة من حبوب الطلع
كذلك قد تحمل الرياح بذورا لبعض الاعشاب الضارة وتساعد على انتشارها على مساحات واسعة
وتجدر الاشارة الى ان العديد من الاشخاص المصابين بالحساسية تسوء حالتهم بشكل ملحوظ في المواسم التي يتم فيها تلاقح النباتات

التلقيح المائي : ( hydrochorie )

وهو التلقيح الذي يتم بين النباتات عن طريق الماء اما عن طريق فيضان مياه الجداول والانهار او عن طريق وقع قطرات المطر الذي يساهم في نثر بذور النبات او عن طريق التيارات المائية البحرية التي تجرف حبوب اللقاح الناضجة التي تطرحها الزهور فتحملها المياه الى اماكن اخرى حيث تتلاقح مع أزهار اخرى باماكن أخرى
وتتميز حبوب لقاح بعض النباتات المائية بالقدرة على البقاء مدة طويلة قابلة لاتمام عملية التلقيح ، من بينها زهرة اللوتس المقدسة التي استطاع العلماء ان يلقحوا بذور بعض انواعها النادرة تعود الى 1300 سنة

ويمكن ان نميز في التلقيح المائي بين هذه المصطلحات الثلاث
Hydrogamie والمقصود به هو التلقيح الذي يتم عن طريق فيضان المياه ويحدث عادة عند النباتات الطحلبية من اجل نقل الامشاج عن طرق فيضان الماء وتمكينها من التلاقح
Ombrochorie وهي عملية نثر بذور النبتات المائية عن طريق قطرات المطر التي تنزل فوق النبتة فتقوم بنثر بذورها هنا وهناك
Nautochorie وهو التلقيح المائي الذي يتم عن طريق طفو حبوب اللقاح فوق سطح الماء فتجرفها التيارات المائية البحرية الى حيث يمكنها القيام بعملية التلاقح
من بين النباتات التي تكاثرت بهذه الطريقة الاخيرة شجرة جوز الهند التي انتقلت بذورها بفعل التيارات البحرية عبر الشواطئ الاستوائية وشبه الاستوائية الى اماكن نائية دون ان يعرف لحد الآن ما هو موطنها الاصلي الذي جاءت منه بالرغم من المعلومة الشائعة ان موطنه الاصلي هو جزر المحيط الهادي