الجسور القديمة


الجسور القديمة

بنيت الجسور القديمة بوضع كتلة خشبية واحدة أو أكثر عبر جدول أو غدير مائي أو بمد حبال أو أسلاك فوق واد ضيق. وما زالت تلك الجسور موجودة ومستخدمة. ويعتبر الجسر المتكون من قطعة واحدة امتدادا لمثل هذا النوع من الجسور القديمة. كما وجدت الجسور الحجرية التي تبنى من الحجارة وتوضع كتل خشبية عليها لتوصيل هذه الحجارة ببعضها البعض، وتعتبر هذه الجسور النموذج المبكر للكباري المتعددة القطع. كما وضعت كومات خشبية في قاع النهر بحيث تكون بمثابة دعامات للجسر.

الجسور القديمة
وبالتالي أصبح من الممكن لكتل الخشب أو الدعامات الأفقية أن تسهل عبور الأنهار الأوسع. وما زالت مثل هذه الجسور الحاملة تستخدم على نطاق واسع لعبور الأودية أو الأنهار في المناطق التي لا تتداخل فيها مع سير الملاحة النهرية. وتلا ذلك استخدام دعامات حجرية كدعامات وسيطة للأجزاء الخشبية مما اعتبر تطورا آخر للأمام في مجال إنشاء الجسور ذات الدعامات الخشبية.
وكانت الجسور ذات الدعامات الخشبية أكثر الأنواع شيوعا لدى القدماء، إلا أن أقدم جسر حجري كان على شكل قوس وبني في بابل عام 1800 قبل الميلاد. وقد كانت هنالك أنواع أخرى معروفة مثل الجسور البسيطة المعلقة والجسور المدعمة بل وتم استخدامها في الهند والصين والتبت قديما.
وقد بنى الرومان العديد من الجسور الحاملة وهي طريق مستوية مدعمة على قنطرة حجرية شبه دائرية واحدة أو أكثر. ومن الأمثلة القديمة لهذه الجسور الجسر الموجود في مارتوريل بالقرب من برشلونة بأسبانيا والذي بني حوالي عام 219 قبل الميلاد، وجسر بونتي دي أوجستو في ريميني بإيطاليا ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.

وهناك جسر آخر يسمى جسر بونت دو جارد في نيمي بفرنسا ويحتوي على ثلاثة طبقات من القناطر ترتفع (47.2) مترا فوق نهر جارد ويغطي مسافة تبلغ (260.6) مترا ويعتبر أفضل الأمثلة الموجودة على الجسور ذات القناطر الرومانية الكبيرة، وقد بني هذا الجسر في القرن الأول قبل الميلاد. وتبع استخدام القناطر الشبه دائرية استخدام القناطر المدببة وهي عادة ما تكون مساحتها صغيرة.
أما الجسور المعلقة، المصنوعة من حبال الخيزران المنسوج، فكانت مستخدمة في الصين في القرن الأول الميلادي. كما شاع استخدامها بعد ذلك في أفغانستان والتبت وكشمير ونيبال وأسام وبورما وتايلاند. وفي القرن الخامس الميلادي تم بناء الجسور ذات الدعامات كوسيلة لاجتياز الوديان في المناطق الهضبية.
أما بالنسبة لعبور الأنهار وقنوات الري ، فكان يعتمد فيها على المراكب الطافية. ولقد انتشر هذا الطراز في العراق. وكان هناك جسران من المراكب على نهر دجلة في بغداد ، إلا أن واحدا فقط كان مستخدما. أما الآخر وبعد أن تحول إلى أطلال، فقد تم إغلاقه لأن القليل من الناس كانوا يسلكونه. ولقد كتب ابن جبير في كتابه رحلة ابن جبير، في نهاية القرن السادس للهجرة / الثاني عشر للميلاد، وصفا لجسر من المراكب مؤلف من سفن كبيرة، كان قد رآه على نهر الفرات، فقال إن الجسر يتضمن سلاسل من كل جانب، شبيهة بعيدان مفتولة، مربوطة بواسطة أدوات تثبيت خشبية موجودة على حافتي النهر. ويشير أيضا إلى جسر من هذا النوع يقع على قناة بالقرب من بغداد، وهو أكثر عرضا من الأول.
كما ذكر الإصطخري في كتابه “المسالك والممالك” أن جسرا مماثلا كان يقطع مدينة الفسطاط وصولا إلى الجزيرة عبر النيل، وأن جسرا آخر كان يصل الجزيرة بالحافة المقابلة من النهر. وبعد حوالي قرنين من الزمن وصف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق الجسرين، مضيفا أنه كان هناك ثلاثون مركبا للجسر الأول، وستون للثاني.
وفي إيران كانت هناك جسور من المراكب على أنهار خوزستان، وعلى نهر هلمند في سجستان التي تقع حاليا إلى الغرب من أفغانستان.
كما شيد المسلمون أيضا العديد من الجسور ذات القناطر. قبل إدخال مواد البناء، كانت القنطرة الحجرية تقدم الحل الأفضل لعبور مجاري الماء وغيرها من العوائق الطبيعية. وعلى الرغم من أن تكلفة بنائها مرتفعة نسبيا، إلا أن جسور القناطر المشيدة جيدا تستطيع البقاء قرونا عديدة، وهي لا تعيق حركة المرور على الأنهار كما تفعل الجسور من المراكب، أو الجسور العادية. ولقد بنيت العديد من الجسور ذات القناطر ذات الأصل الروماني واليوناني والساساني في العالم الإسلامي. وقد استخدم في بنائها الحجارة أو الآجر. أما في المناطق التي لم تتوفر فيها هذه المواد فإن الجسور كانت تشيد من الخشب.
وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي وصف ابن حوقل في كتابه صورة الأرض أن جسرا خشبيا على نهر تاب في إيران يقطع النهر، وهو معلق بين السماء والماء، ويبلغ ارتفاعه فوق الماء حوالي خمسة أمتار. ولقد أشار الإصطخري إلى هذا الجسر أن مهندسا إيرانيا قد بناه للوالي الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي في القرن الأول الهجري / السابع الميلادي. ويتألف الجسر من قنطرة واحدة بامتداد يبلغ حوالي 80 خطوة، أما بالنسبة إلى ارتفاعها فإن رجلا ممتطيا جملا وحاملا بيده المرفوعة علما يستطيع المرور تحتها بسهولة.
وفي مصر أنشأ أحمد بن طولون في القرن الثالث الهجري جسرا كان يتضمن 40 قنطرة كبيرة، وكان هذا الجسر امتدادا لطريق تبلغ عدة كيلومترات ابتداء من مجرى النيل في الفسطاط باتجاه الغرب. وكان الهدف منه تأمين المرور للجيش في الحملات فوق مياه الفيضانات عند وصول عدو ما من جهة الغرب.
وقد ذكر القزويني في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي في كتابه آثار البلاد وأخبار العباد وصفا بيانيا لجسر كبير ذي قنطرة يقع في مدينة إيذاج بين أصفهان وخوزستان. وكان هذا الجسر يقطع واديا يكون جافا عادة، لكنه أحيانا في فترة الفيضانات يصبح بحيرة هائجة. وقد بناه الوزير البويهي أمير الحسن في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وقد استخدم لهذا الأمر عمالا متخصصين من إيذاج وأصفهان. وكان ارتفاع الجسر يبلغ 75 مترا ويتضمن قنطرة واحدة معززة بأوتاد من رصاص وبمشابك معدنية. وكانت بقايا صناعة الحديد تستخدم لملء الحيز بين القناطر وسطح الجسر. كما كانت توجد جسور أخرى عديدة تمر عبر القنوات في جميع المقاطعات الإسلامية حيث كان الري مستخدما بشكل واسع.
وفي قرطبة كان هناك قنطرة الوادي على نهر قرطبة. وكانت هذه القنطرة موضع أخرى قديمة قد هدمها فيضان النهر على مر الأزمان، فأمر عمر بن عبد العزيز السمح بن مالك الخولاني والي الأندل س ببنائها، فصنعت من حجارة سور المدينة. وبني السور باللبن، وأخرج لها خمس خراج قرطبة. والقنطرة يصل عدد أقواسها الحاملة سبعة عشر قوسا، سعة كل قوس خمسون شبرا. وبين كل قوسين خمسون شبرا”. ولقد وصف أبو الوليد بن الأحمر القنطرة فقال في كتابه “روضة النسرين”: “وقنطرتها التي لا نظير لها، وعدد أقواسها تسعة عشر قوسا، بين القوس والقوس خمسون شبرا، ولها ستائر من كل جهة، تستر القامة، وارتفاعها من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفوف الماء وقلته، ثلاثون ذراعا، وتحت القنطرة يعترض الوادي برصيف مصنوع من الأحجار والعمد الجافية من الرخام، وعلى السد ثلاث بيوت أرجاء، في كل بيت منها أربعة مطاحن”.
أما في أوروبا فقد ظلت القناطر ذات الدعامات الخشبية مستخدمة طوال العصور الوسطى. وقد تم التغلب على هذا التقيد بتجميع نظام من العناصر المدعمة على شكل مثلثات فوق الدعامات الأفقية بحيث تكون حزاما أو جملونا . وقد وضع ليوناردو دافنشي تصميم الجسور ذات الجملونات وقام المهندس المعماري الإيطالي أندريا بالاديو ببناء العديد منها. ولم يحدث تطور على نطاق واسع في إنشاء الجسور ذات الجملونات إلا بعد عام 1256هـ / 1840 م، وفي الجسور الحديثة تعددت أشكال الجسور وأصبحت تعرف مسمياتها عادة حسب الطريقة المستخدمة في إنشائها مثل الجسور المدعمة والجسور المعلقة، والجسور ذات القناطر الصلبة، والجسور ذات القناطر الخرسانية، والجسور ذات القناطر المبنية، والجسور ذات الجملونات الصلبة، والجسور العائمة. وإذا كانت هنالك ثمة شروط بأن تمر السفن تحت الجسر أو إذا كان من غير العملي بناء الجسر عاليا بدرجة كبيرة، يتم إنشاء جزء متحرك منه.