الجسور
الجسور

الجسور


الجسور

لا شك في أنك قد رأيت جسراً ما وسافرت فوق أحد الجسور, كما أنك ستقوم بشكل تلقائي بوضع لوحٍ خشبي فوق ينبوعٍ ما اعترض طريقك كي تحول دون تبلّل ملابسك بالمياه.
ويمكن أن نصل إلى أنّ الجسور موجودة في كل مكان, وأصبحت تشكّل جزءاً حيوياً من حياتنا اليومية, كونها تقدّم لنا ممرات تسهل عملية مرورنا فوق العراقيل الطبيعية التي تواجه طريقنا كالأنهار, والوديان, والطرق المعبدة المزدحمة, إضافةً إلى تلك التي تمر عليها الشاحنات.
وفي هذا المقال سنقوم بالبحث في ثلاثة نماذج أساسية من الجسور وهي:
– الجسور المسطحة. –
– الجسور المقوسة. –
– الجسور المعلقة. –
ويكمن الفرق الأساسي بين هذه الأنواع الثلاثة من الجسور في المسافة التي يمكن أن تمتد عليها بين طرفي الجسر. فالجسر العمودي الحديث يمكن أن يصل مداه إلى حوالي 200 قدم (60 متر) بينما يصل مدى الجسر المقوّس إلى ما بين 800-1000قدم (240 – 300 متر), أما بالنسبة للجسر المعلّق, وهو ذروة التقنية الموجودة في عالم إنشاء الجسور, فيمكن أن يصل إلى7000 قدم (2100 متر).
ومن هنا ستظهر التساؤلات في ذهن القارئ العزيز حول ماهية العوامل التي تجعل مدى هذا الجسر أكبر من مدى جسر آخر, وسنعمل على توضيح هذه العوامل التي تنصب بشكل رئيسي ضمن عاملين أساسيين هما:
– عامل الضغط: ويظهر في تلك القوة التي تعمل جعل الجسر ينكمش ويتقلّص (يتقعّر). –
– عامل التمدد: ويظهر في تلك القوة التي تعمل على جعل الجسر يتمدد ويطول (يتحدّب). –
وإذا ما أردنا تفهم أثر هاتين القوتين على الشيء يتوجب علينا أن نقوم بتطبيقهما على الشاقول التقليدي, بحيث بإمكاننا ضغطه لنجعله يتقعّر, كما يمكن أن نقوم بشدّه من طرفيه كي نجعله يتمدد, وهذا ما يحدث تماماً حين تتعرض لهاتين القوتين, لذا يتوجب على تصميم أي جسر أن يأخذ بعين الاعتبار هذين العاملين كيلا يقع الجسر في مشاكل التصدّع والالتواء الناجمة جرّاء أثر هاتين القوتين.
وكنتيجة لما تمّ ذكره في الفقرة السابقة, سيكون من البديهي أن يكون الالتواء والانكماش ناجمين عن عدم قدرة الجسر على تحملهما. لذا كان من الضروري إيجاد وسائل قادرة على تحييد هذه القوى عن العمل, وكان الحل يكمن في تفريق هذه القوى ضمن أقسام الجسر أو ترحيلها. فتفريق القوى يعني توزيعها على المناطق المختلفة من الجسر بالشكل الذي يمنع تمركز هذه القوى في منطقة واحدة, أما ترحيل القوى فيعني إزاحتها من منطقة معينة إلى منطقة قوية في تصميم إنشاء الجسر, وتكون هذه المنطقة مبنية لتقوم بهذه الوظيفة. يذكر أن الوسيلة الأولى يتم استخدامها بشكل كبير في الجسور المقوّسة, أما الوسيلة الثانية فتستخدم عادةً في الجسور المعلّقة.

– الجسر المسطح: –
وهو إنشاء أفقي صلب يلقي بوزنه على الرصيفين اللذين يصل بينهما, فهي تعمل على احتمال وزن الجسر بالإضافة إلى وزن السيارات المارّة فوقه, ومن ثم تعمل على نقل الوزن مباشرة إلى الأسفل.
الضغط: ويتمثل أثره على سطح الجسر بتقلصه وتقعره.
التمدد: بعد أن تتقعر الطبقة السطحية من الجسر كان من البديهي أن يتعرض أسفل هذه الطبقة السطحية للتحدب والتمدد.
مثال: قم بوضع قطعة ورق مقوى من نوع 2*4 فوق صندوقي حليب فارغين من أجل تكوين نموذج جسر كرتوني, ثم قم بوضع ثقل 50 باوند في منتصف الطبقة السطحية من هذا الجسر. هنا, باستطاعتك أن ترى أن القسم العلوي من نموذج الجسر الكرتوني هذا سينحني (أي سيخضع الجسر إلى قوتي الضغط والتمدد) بحيث سيتقعّر القسم العلوي من الجسر, أما الطبقة السفلية من الجسر فستحدودب. وإذا استمررنا في زيادة الثقل فوق سطح الطبقة العلوية من الجسر فإنّ ذلك سيؤدي إلى تكسر قطعة الورق المقوى

عملية التوزيع:
يعتمد العديد من الجسور المسطحة على القضبان الفولاذية كي تتحمل ضغط الثقل, ويتوجب أن تتوفر كمية كافية من المواد المدعمة, كما أنها ارتفاع هذه القضبان وحجمها يجعلها قادرة على تحديد المدى الذي يمكن للجسر أن يصل إليه.
ويعمل مصممي الجسور على تدعيم هذه القضبان بإضافة شبيكة مدعمة تدعى بالجلمون, الأمر الذي يمنحها الصلابة ويجعلها قادرة على تحمّل عمليات التقلص والتمدد من خلال عملية التوزيع, لكن استخدام هذه المادة لن يحول دون بقاء مدى الجسر المسطح محدود المسافة, كون زيادة مدى الجسر تتطلب استخدام كمٍّ كبير من مادة الجلمون, الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة هائلة في وزن الجسر, ونتيجة لذلك ستزيد إمكانية سقوطه.
نماذج من الجسور المسطحة:
وتتوفر في معظم أرجاء العالم العديد من الأساليب الإبداعية لتصاميم هذا النوع من الجسور. ففي بداية الثورة الصناعية تطور إنشاء الجسور المسطحة في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة كبيرة, حيث اخترع المصممون العديد من أنواع مادة الجلمون, وبهذا تمّ استبدال مواد الجسور الخشبية الإنشائية في ذلك الوقت والتي كانت تتمخض في الخشب بالمركبات الحديدة بالكامل أو على الأقل بشكل جزئي

كما ظهرت تصاميم متعددة جديدة لمادة الجلمون كتصميم (جلمون هاو) الذي قام به وليام هاو في عام 1840 م, الذي كان يكمن في استخدام التدعيمات الحديدة العمودية والتدعيمات الخشبية القطرية أكثر من اختراعه لنموذج الجلمون الخاص به الذي يشابه نموذج كنغ بوست المدهش الذي ظهر في الفترة نفسها, ونتيجة لذلك ما يزال يستخدم هذا النموذج في العديد من تصاميم الجسور المسطحة حتى الآن.

قوّة الجلمون:
إذا ما قمنا بتعريض عارضٍ خشبيٍ عادي لعوامل الضغط والتمدد, ستتقعر الطبقة العلوية من سطح هذا العارض كما ستتحدب طبقته السفلية, بينما ستتعرض المنطقة الوسطى إلى ضغطٍ أم تمدد أقل. لكننا إذا ما قمنا بتصميم العارض الخشبي بحيث تكون المواد المدعمة أكثر في الأطراف من الوسط سيستطيع العرض التعامل مع عوامل الضغط والتمدد بشكل أفضل.
كما يجدر بنا الذكر أنّ أي تركيبة من مادة الجلمون قادر على دفع قوة الجسر وصلابته خطوة أُخرى إلى الأمام, بحيث يتوجب علينا تصميم منتصف الجسر من القضبان الجلمونية, أما بالنسبة للطرف العلوي والسفلي فيجب تصميمها بشكل يجعلها تحوي على مواد مدعمة أكثر من المنطقة الوسطى (لهذا السبب يكون الورق المقوى المتموج أكثر صلابة من نظيره التقليدي).
وعلاوةً على ما تمّ ذكره, يتميز العارض المزود بمادة الجلمون عن العرض الخشبي التقليدي بكونه قادرٌ على توزيع الثقل على كافة أرجاء هذه المادة, فتصميم الجلمون الذي يظهر عادةً بأشكال مثلثية متنوعة يمنحنا إنشاء أو بناء صلب قادرٌ على نقل الثقل من نقطة معينة في الإنشاء إلى منطقة أكثر اتساعاً بشكل متميز.
– الجسر المقوس: –

وهو إنشاء نصف دائري يحتوي على الدعامات في كلا طرفيه بحيث يتحول تركز ثقل تصميمه من سطح الجسر إلى الدعامات.
الضغط: الجسور المقوسة تتعرض بشكل دائم للضغط الذي يتم دفعه على طول انثناء القوس باتجاه الدعامات

التمدد: وأثره بسيط على أي قوس كون الانحناء الطبيعي للقوس وقدرته على توزيع القوة إلى الخارج تخفف بشكل كبير من آثار التمدد على القسم السفلي من القوس.
وكلما كانت درجة الانحناء أكبر كلما زادت آثار التمدد على الطرف السفلي من الجسر المقوس.
وكما هو واضح فإن شكل القوس هو النمط الذي نحتاج إليه لتوزيع الثقل بشكل متوازن على السطح والدعامات.
ويجدر بنا أنّ هذا النوع من الجسور كنظيره من النوع الأول محدود المدى بحيث لا يمكننا زيادة الثقل الملقى على القوس لأنه لن يحتمل هذا الوزن وسيصبح معرضاً لخطر السقوط.
نماذج لجسور مقوسة:
التوزيع:
نماذج الأقواس ضئيلة لأنّ كل أشكال الأقواس تبدو دائماً بشكل متقارب من بعضها البعض, الأمر الذي يجعلنا نميز بينها عن طريق تصميم الديكور الخاص بها.
ويمكننا أن نذكر في هذا الصدد الأقواس الرومانية والباروكية وأقواس عصر النهضة كنماذج لأشكال الأقواس, وكل هذه الأقواس من الناحية الإنشائية متشابهة مع بعضها البعض لكنها من الناحية الفنية متغايرة الشكل.
وتأخذ الأقواس شكل الجسر الطبيعي بطريقة مذهلة, كما أنها تتميز بالقوة والمتانة الإنشائية كون الجسر المقوس المصنوع من الحجارة لا يحتاج إلى مواد مدعمة إضافية أو الكابلات كما أنه لا يحتاج إلى المورتار. فالرومان القدامى قاموا ببناء جسور مقوسة وقنوات ما زالت صامدة حتى يومنا هذا, وهذه الجسور و القنوات تعطينا مثالاً طبيعياً على التأثير الطبيعي للقوس في إنشاء الجسور.

– الجسور المعلقة:
وهي تلك الجسور التي تتعمد في تكوينها على الكابلات (أو الحبال أو السلاسل) لتقوم بتعليق الطبقة العلوية من الجسر فوق النهر (أو أية عقبة طبيعية تواجهنا), وهذه الكابلات يتم تعليقها بدورها ببرجين يتم بناؤهما على طرفي الجسر, الأمر الذي يبين لنا أن معظم ثقل الجسر ينصب على البرجين.
الضغط: ويقوم بدفع سطح الجسر المعلق إلى الأسفل, لكن بما أنه معلق بالكابلات فهي تقوم بتحمله, وهذه الكابلات تقوم بدورها بنقل الضغط إلى الأبراج التي تقوم بتوزيعه مباشرة على الأرض التي تتوضع عليها.
التمدد: تتلقى الكابلات المدعمة التي تصل بين برجي الجسر قوة التمدد, لذلك فهي تتعرض للتمدد بسبب ثقل الجسر والسيارات التي تمر فوقه من طرف إلى آخر, كما أنّ الطبقتين المثبتتين المتواجدتين قرب الأبراج تتعرضان لهذه القوة, لكن بما أنهما مثبتتين بقوة إلى الأرض ستتوزع قوة التمدد التي تتعرضان لها

تعتمد في تكوين إنشائها على نظام جلموني يعمل على تدعيم الطبقة السطحية من الجسر, إضافةً إلى اعتمادها على الكابلات حيث تتوضع الطبقة السفلية من سطح الجسر, الأمر الذي يساعد على منح الطبقة السطحية من الجسر القدرة على خفض ميلان الجسر وتأرجحه

نماذج جسور معلقة:
الجسور المعلقة يتم تصميمها على طريقتين, وهما:
– الجسر المعلق الذي يبدو على شكل حرف M المطوّل, ويعتمد على الكابلات الثابتة. –
– الجسر المعلق الذي يبدو على شكل حرف A بشكل كبير, وهذا النوع من التصميمات لا يتطلب برجان وأربعة مثبتات كما يحدث في النوع السابق, بل يتم تعليق الكابلات على برج وحيد يعمل على حمايتها. وهذا التصميم كقرينه قادرٌ على التعامل مع العوامل التي تعمل على تعريض الجسر للضغط والتمدد

نماذج جسور معلقة:
الجسور المعلقة يتم تصميمها على طريقتين, وهما:
– الجسر المعلق الذي يبدو على شكل حرف M المطوّل, ويعتمد على الكابلات الثابتة. –
– الجسر المعلق الذي يبدو على شكل حرف A بشكل كبير, وهذا النوع من التصميمات لا يتطلب برجان وأربعة مثبتات كما يحدث في النوع السابق, بل يتم تعليق الكابلات على برج وحيد يعمل على حمايتها. وهذا التصميم كقرينه قادرٌ على التعامل مع العوامل التي تعمل على تعريض الجسر للضغط والتمدد