العمارة البيزنطية


العمارة البيزنطية

تمثل العمارة البيزنطية إحدى المراحل أو الفواصل التاريخية الهامة في مسيرة الحضارة المعمارية العالمية ، وقد اقترنت بولادة المسيحية (فجر المسيحية ) في أوروبا ،حيث كان يطلق على الإمبراطورية البيزنطية (Byzantine empire) اسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية ..

يعتبر الإمبراطور قسطنطين مؤسس الأمبراطورية البيزنطية ، الذي جعل من القسطنطينية (بيزنطة سابقاً) عاصمتها عام 335م .

وكانت الإمبراطورية البيزنطية تضم هضبة الأناضول بآسيا وأجزاء من اليونان وجزر بحر إيجه وأرمينية وآسيا الصغرى والشام ومصر وفلسطين وليبيا وتونس والجزائر وأجزاء من شمال بلاد النوبة. وكانت هذه الإمبراطورية تأخذ طابعا إغريقيا في الثقافة والعلوم حيث حافظت علي التراث الإغريقي والروماني ، كما تأثرت بحضارات وفنون الشام ومصر وبلاد الإغريق ومابين النهرين .
الطرز المعمارية البيزنطية
رغم تأثرهم بالتراث الإغريقي والروماني وكذلك حضارات الشام ومصر استطاع البيزنطيون استحداث ثقافاتهم وطرزهم المعمارية الخاصة بهم ولاسيما في بناء الكنائس والقصور والحمامات والمكتبات والمستشفيات والخانات والأسواق المغطاة وبيوت الضيافة علي طرق القوافل .  وظلت الإمبراطورية قائمة حتي اسقطها محمد الفاتح عام 1453 م. وكانت معبرا للقوافل التجارية بين الشرق والغرب .

إن من أهم الصفات والمعالم المميزة للعمارة البيزنطية تأثرها بظروف وعوامل بلادهم الجوية ( ذات الجو الحار نسبياً ) ، والتي تجلت في وجود الاسطح المستوية مشتركة معا مع القباب ذات الطابق الشرقى الأصيل ،والفتحات الصغيرة الضيقة للشبابيك المرتفعة نسبيا عن منسوب الأرضية ،وتلك الحوائط الغير منكسرة ،والعقود المتكررة التى تحيط بالأفنية الداخلية ،كل هذه العوامل كونت الخواص المعمارية لهذا الطراز البيزنطى .

وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام ، حيث تبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط ، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.

وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصور.
وعلى أثر ذلك تطور المسقط الأفقى للكنائس فى ذلك العصر بما يتمشى مع استعمال القباب،فأصبح المسقط عبارة عن صحن مربع كبير فوقه القبه الرئيسيه ،و له أذرع أربعة تكون معه شكل صليب ،و سقف كل من هذه الأذرع على شكل قبو أو نصف قبة ،أما الأركان الاربعة المحصورة بين الصحن وتلك الاذرع فكانت أسقفها اما قباب صغيرة أو مصابات “grointed vaults”.
وقد اشتهر المهندسون فى ذلك العصر بالابداع والتفوق فى التكوين المعمارى لهذه القباب مع بعضها من كبيرة وصغيرة ونصف قباب،مما جعلها فريدةمن نوعها على مر الزمن . وأهم ما يلاحظ أيضاأن أبراج الأجراس للكنائس لم تظهر فى هذه المنشئات فى ذلك العصر.
أما من حبث الوجهات الخارجيه لتلك الكنائس ،فقد كانت بسيطة قوية معبرة ،ذات صف واحد أوأكثر من الشبابيك الصغيرة لإنارة الأجنحة الصغيرة حول الصحن الكبير و الشرفات الداخلية أعلاها والتى أخذ إستعمالها فى الإنتشار.وأما من حيث التفاصيل المعمارية الداخلية فكانت أقرب ما تكون لتفاصيل العمارة الرومانية ،وأساسها الطراز الأيونى والطرازين الكورنثى والمركب،وذلك بعد إدخال عدة تعديلات على هذا الطراز بما يتناسب والطراز الجديد .

وأهم هذه الإبتكارات و المستحدثات فى هذا الشأن ، هو ما ظهر من إنبعاج تيجانها إلى الخارج،ووضع جلسة مربعة أعلا هذه التيجان مباشرة ،وذلك لتحسين حمل العقد الذى يبتدىء من هذا المنسوب مباشرة وبدون إستعمال التكنة الرومانية المعتادة ، وكذا إستدارة سوك هذه العقود لإستمرار عمل الموزابيك على بطنياتها ،كالتى يتم عملها على الحوائط الرأسية تماما .

واشتهرت العمارة البيزنطية أيضاً بالأيقونات الملونة ، وقد عرفت مخطوطاتهم بالتزيين والخط البديع وتهميش الصفحات ووضع العناوين . وكذلك عرفوا بإبداعهم في صناعة ابواب القصور والقلاع المصفحة ونسج الحرير الملون وصناعة الأختام من الرصاص والسيراميك (الفسفساء) والزجاج الملون وسك الدنانير البيزنطية الذهبية و التي كانت متداولة في الإمبراطورية .

ومن ناحيه التأثيرالجيولوجي لبيئة البلاد ، لم يكن الحجر (كماده أساسيه من مواد البناء) موجوداً في هذه المنطقه ، بينما توفر الطمي الذي استعمل في عمل الطوب أو الزلط في الخرسانه.
وعلى ذلك فكان لابد من استيراد تلك المواد الهامه المطلوبه لإقامه المباني التذكاريه على وجه الخصوص فكان يستورد الرخام مثلا من المحاجر التي تقع في منطقه حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقيه بالنسبه الى القسطنطينيه،و لذلك نجد أن العماره البيزنطيه تأثرت كثيرا بتلك الأحجار الضخمه التي كانت تبنى بها المباني التذكاريه و التي كانت تستخرج من تلك البلاد.
▪ الطراز البازليكي : هو نمط معماري مقتبس من البازيليكي الرومانية (المعابد الرومانية) التي تتميز بكونها مساحة مستطيلة مقسمة بواسطة مجموعة من الأعمدة إلى ثلاث بوائك أكثرها اتساعا البائكة الوسطى، وتكون هذه البوائك عمودية على ما يسمى منطقة المذبح التي تشتمل على المحراب.

وقد ظل الطراز البازيليكي الطراز السائد في عمارة الكنائس في الدولة البيزنطية الرومانية الشرقية حتى القرن السادس الميلادي، بينما ظل منتشرا في أوروبا إلى القرن الثامن الميلادي، ويعتبر الطراز البازيليكي واحدا من أربعة طرز معمارية استخدمت في عمارة الكنائس المسيحية.

فإلى جانب الطراز البازيليكي هناك التصميم المركزي مثل الكنائس المستديرة أو المعتدلة الأضلاع، وهناك الكنائس المغطاة بقبة مركزية وأنصافها مثل كنيسة أيا صوفيا.

أما الطراز الرابع فهو طراز بيزنطي ظهر في القرن السادس الميلادي، وهو ما يعرف بالتصميم الصليبي، وفيه تعلو قبة مركز تقاطع أضلاع الصليب المتساوي الأضلاع.

 

مخطط معماري لمقطع طولي في كنيسة ساينت ايرني

 

كنيسة المهد

بعد أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للدولة البيزنطية (الإمبراطورية الرومانية الشرقية) وذلك في عهد الإمبراطور قسطنطين عام 324م، أمرت والدته القديسة “هيلينا” في عام 335م بإنشاء أول كنيسة مسيحية في أراضي الدولة الرومانية وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط وهي كنيسة المهد، تلك الكنيسة التي تعرض بعض أجزائها للدمار عدة مرات .

▪ شُيدت كنيسة المهد منذ أن أمرت ببنائها القديسة هيلينا في القرن الرابع الميلادي على النمط البازيليكي ، وقد استخدمت الأحجار الضخمة في بناء جدران الكنيسة الخارجية؛ لذلك بدت وكأنها أحد الحصون الحربية، ومما زاد من الشعور بهذا الإحساس: باب الكنيسة الذي أنشئ في العصر العثماني لمنع الجيوش المعادية من الدخول إلى الكنيسة، ويتميز الباب بصغر حجمه، ولكي يستطيع الشخص الدخول من خلاله لا بد أن ينحني كما لو أنه سيدخل إلى أحد الكهوف أو المغارات.

وتتميز كنيسة المهد من الداخل بالبساطة؛ فهي تحتوي على أربعة صفوف من الأعمدة الضخمة المصنوعة من الحجر ذات طراز كورنثي، وتنتهي بتيجان من أوراق نبات الأكانتس بطابعها الإغريقي.

وتقسم صفوف الأعمدة الكنيسة إلى ثلاثة أروقة (بوائك) أوسعها الرواق الأوسط، وتتعامد هذه الأروقة على المذبح والمحراب المركزي للكنيسة، ويفتح هذا المحراب على فناء الدير الأرثوذكس، ويؤدي هذا الفناء إلى سلسلة من الكهوف التي أعدت للدفن.

احتوت كنيسة المهد على العديد من الفنون، كفنّ الخشب والتصوير الجداري والفسيفساء والأيقونات والرخام، مثلها في ذلك مثل باقي الكنائس الأثرية التاريخية؛ فقد زينت أعمدتها بصور مائية فرسكو تمثل صورا لبعض القدسيين والحواريين، كما غطيت كافة الحوائط الداخلية للكنيسة بالفسيفساء الملونة جميعها تدل على مهارة الصانع ودقة الفنان، كما ذهبت أجزاء كثيرة من الأعمدة أثناء العصور الوسطى.

أما أرضيات الكنيسة فقد صنعت من الرخام والموزاييك، وقد رممها اليونانيون في عام 1842م. أما سقف كنيسة المهد فقد كان منذ إنشائها وحتى الغزو الصليبي من خشب الأرز، وسقفها الحالي يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي، كما ازدانت الكنيسة ببعض الصور المائية عن بعض الأساطير الفارسية الساسانية التي تأثرت بها الفنون البيزنطية المسيحية.
أعيد بناء كنيسة المهد في القرن السادس الميلادي في عهد الإمبراطور يوستنيان حيث كبّر البازيليكا, وفي وقت لاحق أضيفت ثلاث أمكنة جانبية للصلاة على أنقاض المبنى المثمن الأضلاع. وتمت إقامة درجات تسهل الوصول إلى المغارة .