العمران في العالم الإسلامي


نعتقد أن واقع العمران في العالم الإسلامي هي انعكاس لذات الفرد المسلم. فالإنسان المسلم مازال يتصور أن التعاليم الدينية وعاداته وتقاليده إحدى الرواسب السلبية التي تعيقه فكرياً ووجدانيا للالتحاق بالحضارة الغربية.
فنجده يرتمي أحياناً كثيرة في رؤى وأفكار غريبة ثم نجده في نفس الوقت يسعى بخطوة إلى الوراء إلى ذاته إلى اصالته.هذا التنازع الوجداني الذي يكتنف الحياة اليومية لشخصية الفرد المسلم تجعله مرتاباً في خطواته فيكون مسعاه ناقصاً مشكوكاً فيه, ومن ثم يكون الفضاء العمراني والمعماري المرآة العاكسة لهذا التذبذب الذي طبع الحياة الحضرية للشعوب الإسلامية جلها.
الحقيقة أن الصعوبة التي نجدها في فهم هذا الوضع راجع في أساسه إلى غياب رؤية واضحة لطبيعة العمران وخصائصه بما يتفق وتكوين الفرد المسلم ويتناسب ومقوماته المعنوية.
فما هي يا ترى خصائص العمران في الإسلام ؟؟ وكيف نصت عليها التعاليم الإسلامية من منابعها الصافية ؟؟؟
إن الخصائص في هذا المجال كثيرة ومتنوعة نذكر منها:
ا – الترغيب في الاعمار وتنظيمه
بما أن إحدى غايات الإنسان في هذا الكون هي إعمار الأرض كما ورد ذلك في كتاب الله عز وجل: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) هود الآية[ 61] فان السنة النبوية الشريفة حثت على الإعمار فجاءت الأحاديث مشجعة ومحددة لذلك كقوانين عقارية مساعدة على تنظيم العمران وتطوره, فقد ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:
(من أحاط حائطا على أرض فهي له)الجامع الصغير تصحيح السيوطي: صحيح‏.
وقال أيضا : عن فضالة بن عبيد
( الأرض ارض الله والعباد عباد الله من أحيا مواتا فهي له ) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.‏
فهو ترغيب في العمل والعمران, فالملكية لله سبحانه وتعالى في عمومها, فمن أبدى حسن النية في الإعمار والاستثمار وإحياء الأرض بعد ما كانت مهجورة أي بور فهي له مكافأة على جهده وعمله. فالله لا يضيع اجر من! عمل عملا صالحا.
وحتى لا يكون في الأمر فوضى وإلتباس فقد حددت السنة ضرورة احترام الغير في هذا المجال بالذات فلقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
(من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) صحيح البخاري عن ابن عمر.
وقال أيضا: (من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر)ورد في مجمع الزوائدورواه أحمد والطبراني في الكبير.

وقال كذلك:
“من أخذ من طريق المسلمين شبراً جاء به يحمله من سبع أرضين”رواه الطبراني في الكبير والصغير وفيه محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وتركه أبو زرعة.
فبعد أن تم تشجيع الناس على الاعمار والعمل فان السنة النبوية نظمت هذا التشجيع بحيث يحفظ للناس طريقهم ويحفظ للناس أرضهم.
قال صلى الله عليه وسلم:
(موتان الأرض لله ورسوله فمن أحيا شيئا منها فهو له عن بن العباس رضي الله عنهما) الجامع الصغير للسيوطي.
ب- سعادة العيش
إذا كانت الغاية من العمران هي عبادة الله, وعمارة الأرض فان الهدف بينهما هو تحقيق الرفاهية والسعادة لبني البشر في مأكلهم وملبسهم ومشربهم وحياتهم كلها.
ولهذا فان تحديد ماهية السعادة أساس كل عمران, وقاعدة كل تخطيط فلقد جاءت السنة بتحديد ذلك وتبليغه إذ ورد عن النبي– صلى الله عليه وسلم – قوله:
(أربع من السعادة, المرأة الصالحة, المسكن الواسع, والجار الصالح, والمركب الهنيء, وأربع ! من الشقاء, الجار السوء, والمرأة السوء, والمركب السوء, والمسكن الضيق ) كشف الخفاء للعجلوني، زيادة الجامع الصغير.
بمعنى أن المسكن الواسع الرحب الذي يحقق للإنسان الراحة والسكينة هو احد الأهداف إن لم نقل أهمها في تخطيط العمارة والعمران.
فالمسكن له تأثير مباشر على طبيعة الإنسان النفسية والاجتماعية. فان كان واسع كان احد أسباب السعادة والطمأنينة غير أن هذا الاتساع المنشود لا يجب أن يشوبه إفراط فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( فراش للرجل, وفراش لامرأته والثالث للضيف, والرابع للشيطان )أخرجه مسلم من حديث جابر.‏
وأما إن كان ضيقا فهو تفريط, واحد عناصر الشقاء للإنسان, فيكون غير محقق للسكون الذي نصت عليها الآيات القرآنية وغير مهيأ لمشاركة الإنسان في مجال محيط مدينته وبالتالي يفقد الفعل العمراني ماهيته كأداة تخطيط لتحقيق سعادة العيش.
ج- خاصية الاجتذاب والاطراد للمدينة
لقد تفطن إلى هذه الخاصية عمرانيين غربيين وتناولوها في كتاباتهم حيث أكدوا على أن المدينة في حركتها تتميز بخاصية الاجتذاب والاطراد.
هذه الخاصية أوضحتها السنة النبوية منذ قرون خلت فالمدينة أو القرية كما أوضحنا في كتابنا العمارة والعمران في ظلال! القرآن أنها كائن حي محدد بالزمان والمكان وله وظائف عدة.
وخاصية الاجتذاب والاطراد تعبير جامع لكثير من الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية متجلية عل ارض الواقع في تلك الحركة الدائمة التي تنجذب إليها أفكار وأشخاص وتبتعد عنها كذلك أفكار أشخاص ونشاطات وغيرها, نذكر منها على سبيل المثال التوضيحي المتمثل في ظاهرة الهجرة من وإلى المدينة التي تعتبر إحدى مظاهر التغير.