المخطط الطبوغرافي topographic plan


المخطط الطبوغرافي هو التمثيل الترسيمي وفق مقياس محدد لكل البيانات المكانية spatial informations الظاهرة على سطح الأرض مثل المعالم الطبيعية كالجبال والأودية والأنهار ومجاري السيول والبحيرات والآبار والغابات وسواها، إلى جانب المعالم الصنعية مثل الطرقات والسكك الحديدية والأبنية والمنشآت المنفردة والمجتمعة وخطوط الأنابيب ونقل الطاقة الكهربائية والسدود والجسور والموانئ والمطارات وغيرها مما يصنع الإنسان، مع بيان تسميات هذه المعالم. إن أهم ما يميز المخطط الطبوغرافي من سواه من المخططات هو إظهار خطوط التسوية contour lines، وهي خطوط لا منتظمة تصل بين نقاط الأرض المختلفة ذات الارتفاع الواحد للتعبير عن تضاريس الأرض بارتفاعاتها وانخفاضاتها وميولها.

 

وينطبق التعريف نفسه على الخريطة الطبوغرافية topographic map أيضاً. والفارق بينهما أن المخطط الطبوغرافي يغطي مساحة محدودة من سطح الأرض كأن يكون المخطط الطبوغرافي لبلدة مثل سرمين أو لمدينة مثل طرطوس، في حين تغطي الخريطة الطبوغرافية مساحات كبيرة واسعة تمتد أحياناًَ لتشمل المحافظات والولايات. وإن التحدي الأكبر الذي واجه علم صناعة الخرائط cartography تجلى دوماً في تمثيل سطح الأرض ثلاثي الأبعاد على حامل ورقي ثنائي الأبعاد.أدوات الإنتاج وطرائقهلإنتاج مخطط أو خريطة طبوغرافية يتم اللجوء إلى استخدام أجهزة المسح الطبوغرافي المباشر ومعداته field surveying؛ أو إلى استخدام تجهيزات المسح الجوي وتقاناته aerial photogrammetry؛ أو إلى استخدام طرائق الاستشعار عن بعد

 

remote sensing وذلك تبعاًً لمساحة المنطقة المراد إعداد مخطط أو خريطة لها.الغاية والهدفمما لاشك فيه أن إعداد المخطط أو الخريطة هو حاجة فطرية لدى أفراد الجنس البشري الراغبين في معرفة المكان الذي يعيشون فيه، والسيطرة عليه للاستفادة من خصائصه ومعطياته. فاستخدامات المخطط والخريطة الطبوغرافية يراوح بين البحث عن أمكنة مفضلة للرحلات وللراحة والاستجمام وبين إعداد الدراسات المختلفة لشتى أنواع المشروعات الهندسية مروراً بتحديد مناطق إدارة مواقع الثروات الطبيعية ومكامنها وحماية البيئة.محتوى المخططات والخرائطلكي يكون المخطط والخريطة قادرين على تلبية كل المتطلبات لابد من التنفيذ وفق مقياس scale محدد هو تعبير عن نسبة تصغير الأرض الطبيعية وما عليها لتمثيلها على الورق.

 

 

المخطط الطبوغرافي

 

 

 

تراوح المقاييس المختلفة عادة بين 200 : 1 – 50000 : 1، ومن الطبيعي أن تكون مخططات المقياس الكبير الأول أكثر تفصيلاً ودقة من مخططات المقياس الصغير الثاني التي تظهر مساحات كبيرة على حساب دقة التفاصيل. ومن الطبيعي أيضاً ألا نتمكن دوماً من تمثيل تفاصيل الأرض الطبيعية والصنعية كلها عند استخدام المقاييس الصغيرة إلا بالتعبير عنها برموز symbols ومصطلحات دالة عليها. وإضافة إلى ما تقدم يتوجب أن يشتمل أي مخطط أو خريطة طبوغرافية على اتجاه الشمال، ودليل الرموز والمصطلحات، وتاريخ الإصدار، وكذلك المقياس الذي يمكن إظهاره عددياً أو ترسيمياً. لمحة تاريخيةيعتقد بعض الباحثين أن الرسم الجداري المكتشف في عام 1963 بالقرب من مدينة أنقرة التركية في موقع حضارة شطل هيوك Catal Hüyük التي ازدهرت في عام 6200ق.م هو أول مخطط يبين دور المدينة وشوارعها وبعض التفاصيل المحيطة بها، مثل موقع البركان القريب منها. لكن أغلب الباحثين متفقون على أن أول خريطة واضحة المعالم تعود إلى عام 2500ق.م، وهي لوح فخاري (رقيم) صغير بحجم الكف من صنع البابليين يبين موقع مملكتهم في المركز وتحيط بها الجبال والأنهار.

ومن قراءة النصوص البابلية يتبين أنهم عرفوا المساحة العقارية، وأنهم قاموا بتثبيت حدود الأراضي الزراعية وملكيات القصر الملكي والمعابد والملكيات الفردية، ومثلوا ذلك على ألواح فخارية، كما أنهم أول من قام بتمثيل العالم على شكل قرص تحيط به المياه من كل جانب. وللحضارة الفرعونية في مصر دورها أيضاً في وضع الخرائط التي استخدم في إعدادها القياس والحساب، كما تدل على ذلك بعض مخطوطات البردي العائدة إلى نحو 1300ق.م، وقد اهتم الفراعنة بتعيين حدود الأراضي الزراعية لبيان مساحاتها، ولتقدير عائداتها من الغلال، ثم بإعادة زرع هذه الحدود بعد فيضان النيل السنوي، كما أنهم أعدوا خرائط خاصة للمناجم التي نقبوا فيها عن المعادن. كذلك قدم الإغريقيون من جهتهم خدمات جليلة لعلم صناعة الخرائط في الفترة الممتدة من عام 610ق.م إلى عام 140 بعد الميلاد؛ إذ يعود الفضل إليهم في اعتماد الأرصاد الفلكية لتعيين خطوط الطول والعرض الضرورية لتحديد مواقع الأمكنة على سطح الأرض. في حين تضاءل الاهتمام عند الرومان بالنواحي العملية للخرائط على الرغم من توسعاتهم العسكرية ومهاراتهم في شق الطرق وقنوات الري.وفي الخرائط الصينية نشهد نقلة نوعية متميزة، إذ إنهم اعتمدوا الرياضيات في صنع خرائطهم بدوافع عسكرية بالدرجة الأولى، كما أنهم اعتمدوا في الرسم خطوطاً أفقية وشاقولية للتعبير عن الإحداثيات ولتحديد مواقع الأمكنة والمسافات الفاصلة بينها، إضافة إلى اهتمامهم بتمثيل تضاريس الأرض بطرق تصويرية. وفي القرن الثالث للميلاد وضع ليو هوي Liu Hui كتاباً يعطي فيه نظرة معمقة عن تاريخ المساحة وعن أنواع الخرائط في الصين.إبان العصور الوسطى تراجعت كل العلوم في أوربا المسيحية بسبب سيطرة رجال الدين على كل مناحي الحياة الفكرية، وكانت نظرتهم إلى العالم تتلخص بأنه قرص مستدير يقع الأوقيانوس المحيط عند حوافه وتقع مدينة القدس في مركزه تحيط بها قارات آسيا وإفريقيا وأوربا التي تفصل بينها ثلاثة بحار هي الأحمر والمتوسط والأسود، وأما الجنة فتقع في قارة آسيا عند رأس هذا القرص
لكن الحضارة العربية الإسلامية أسهمت إسهاماً كبيراً وفعالاً في تفعيل كل العلوم وتطويرها، ومن بينها تطوير الخرائط من النقطة التي وصل إليها الإغريقيون، إذ إنها أعادت الاعتبار لعلوم الرصد والقياس المساحي والفلكي، فتطورت الرياضيات، وتطور معها علم المثلثات الكروية وعلم الإسقاط map projection لتحسين تمثيل العالم ثلاثي الأبعاد على مخططات ورقية ثنائية البعد. وتوالت الإنجازات على أيدي علماء بارزين أمثال أبناء موسى والخوارزمي والإصطخري والمسعودي وابن حوقل والبيروني والإدريسي الذي يعد بحق من أشهر واضعي الخرائط العرب إذ اشتمل كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» على سبعين خريطة إلى جانب معلومات جغرافية وافرة.وفي عهد الخليفة المأمون قام أبناء موسى بتنفيذ قياس مساحي، كان الهدف منه تحديد طول القوس على سطح الكرة الأرضية المقابل لزاوية مركزية مقدارها درجة واحدة، ويعرف باسم «قياس الدرجة»، وهو قياس مساحي فلكي لا غنى عنه لمعرفة قياس محيط الأرض، وهو القياس عينه الذي كررته أوربا بعد مضي أكثر من ثمانمئة عام على القياس العربي، الذي كان أول تجربة ضخمة في العالم تقوم بها دولة من أجل البحث عن حقيقة علمية صرفة. أما ابن حوقل فقد اهتم بمتابعة وإكمال العمل الجغرافي الرائد الذي بدأه الإصطخري في كتابه «المسالك والممالك» مصححاً فيه الكتب الجغرافية القديمة.كذلك تذكر كتب التاريخ أن العلامة أبا الريحان محمد بن أحمد البيروني وضع كتاباً في علم الإسقاط في عام 385هـ/995م ناقش فيه مسائل إسقاط الكرة وتمثيلها على المستوي، وفي عام 391هـ/1000م وضع كتاباً في علم المثلثات الكروية واستنبط طرائق لقياس المسافات على سطح الأرض باستخدام التثليث triangulation وأعطى قيمة لنصف قطر الكرة الأرضية تساوي 6339.6 كيلومتر، وهي القيمة ذاتها التي وصلت إليها أوربا لاحقاً في القرن السادس عشر. وفي كتابه المعروف باسم «القانون المسعودي» – نسبة إلى السلطان مسعود بن محمود الغزنوي – قدم هذا العالم الجليل جداول تضمنت إحداثيات أكثر من 600 موقع قام بنفسه بتحديد القسم الأعظم منها.ولقد استمرت العلوم الطبوغرافية العربية بالتطور والازدهار حتى بدايات القرن السادس عشر الميلادي. ففي كتاب «تحفة الفحول في تمهيد الأصول» وكتاب «الشرح» الخاص به قدم سليمان المهري خدمات كبيرة لتطوير الجغرافيا الرياضياتية من خلال استخدامه الأرصاد الفلكية في تعيين الفروق في خطوط العرض بين موقعين متباينين، كما أنه وضع أسساً للكشف عن الأخطاء الناتجة من الأرصاد الضعيفة، وأسساً أخرى لمعالجة الأخطاء الناتجة من تدوير نتائج الحسابات.