المنازل صديقة البيئة


نحلم جميعاً بعالم خال من التلوث، وهذا الحلم دفع البعض من المواطنين على خوض تجربة تأسيس بيوت صديقة للبيئة، وعيش حياة نظيفة مستمدة طاقتها من الطاقة المتجددة والنظيفة وهي طاقات غير قابلة للنفاذ، ليصمموا منازلهم بطريقة مبتكرة تراعي الطبيعة وتستفيد من مواردها، ولا يضطرون لسداد تكاليف باهظة مقابل الإنارة والتدفئة،

المنازل-صديقة-البيئة-ترسم-م
المنازل صديقة البيئة

مستخدمين المواد العازلة للحرارة في البناء، والإنارة والسخان الشمسي، ويعتمدون على تركيب الزجاج بطريقة مائلة حتى تدخل أشعة الشمس إلى المكان ولا تكون حادة على العين، والواجهات الخارجية مظللة، والبعض يعتمد على الزراعة العضوية لتوفير احتياجاته من خضروات، وآخر يعتمد على الحشيش الصناعي ليقلل من استخدام المياه ويمنح المنطقة مظهراً جمالياً، فتتنوع الأساليب والغاية واحدة، الحفاظ على البيئة .
جذبت البيوت صديقة البيئة إيمان الشامسي من خلال سفرها المستمر وبحثها الدائم عن كل جديد، لتجد تطور تصاميم البيوت في بعض الدول، وتقرر تحويل منزلها إلى صديق للبيئة، لتبدأ رحلة البحث عن استشاري متخصص في ذلك، ووصلت إلى ما تريده . تقول: البيوت صديقة البيئة استثمار طويل الأمد، متميزة في التصميم وتبعث الراحة في النفس، خاصة أنها تتميز بالإضاءة الطبيعية، باستخدام الشبابيك الكثيرة والمصممة بطريقة تدخل ضوء الشمس من دون الحرارة، وتسهم في تقليل استهلاك الكهرباء، من خلال استخدام المواد العازلة للحرارة في البناء، والاعتماد على التقنيات الجديدة لرشاشات الماء التي تسمح باستهلاك كمية أقل من الماء ولكن بنفس القوة من خلال الهواء والضغط، واستخدام الأصباغ صديقة البيئة .

العمل في مدينة كل ما فيها صديق للبيئة، يؤثر لا محالة في العاملين فيها، لتصبح ثقافة عامة، وتكون كل خطواتهم صديقة للبيئة لرفع مسؤوليتهم تجاه البيئة، وهذا ما حدث مع ناصر المرزوقي “مدير عام ريم الإمارات للألمنيوم” الذي كان يعمل سابقاً في مدينة “مصدر”، ليحرص على بناء منزل العمر بطريقة صديقة للبيئة مستفيداً من نموذج “مصدر” .

يقول المرزوقي : “تصميم المنزل بشكل عام صديق للبيئة، بدءاً من الواجهة، بحيث جعلت الشبابيك والبلكونات لا تواجه الشمس مباشرة، وتكون في الجهة المعاكسة للشمس حتى لا تدخل الأشعة مباشرة للمنزل، وهذا التصميم مستوحى من مدينة مصدر، واستخدمت الطابوق العازل للحرارة والإنارة الشمسية لتدخل الضوء للمنزل مما يسهم في تقليل استخدام الإضاءة الكهربائية، وأجريت بعض التعديلات على نظام التكييف لتصبح صديقة للبيئة، وسوف أستخدم السخان الشمسي في المنزل عوضاً عن الكهربائي .

ويضيف: فيما يخص تصميم الحديقة اعتمد على الحشيش الصناعي ليوفر استهلاك الماء، واستخدم زينة الحطب للمساحات الخارجية، ليحصل على الصورة الجمالية مع الحرص على توفير الكهرباء والماء، واستخدام الزجاج المزدوج بهدف تقليل مرور أشعة الشمس، واستخدام الرخام المعاد تدويره في المساحات الخارجية، ولم يغب عن باله التقليل من صرف المياه باستخدام نوعية الصنابير التي تؤدي الغرض .

يشير المرزوقي إلى أن إقباله على تصميم منزله بطريقة صديقة للبيئة نابع من مسؤوليته المجتمعية، ليحيا حياة تعتمد على الاستدامة، ويكون نموذجاً حياً لأبنائه ليتعلموا ثقافة الحفاظ على البيئة في أجواء ابتكارية بسيطة مريحة وغير مكلفة على المدى البعيد .

الحياة الصحراوية أثرت في حميد المري “مدير إدارة النقليات” لينقل جزءاً منها إلى منزله، بتأسيس حديقة صحراوية صديقة للبيئة، وتكون ملائمة لجو الإمارات الحار، معتمداً على زراعة النباتات الصحراوية التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى أن الممرات جعلها مغطاة بالكنكري الأبيض والأحمر ليستغني عن الحشيش، ولم يكتف بذلك، بل حرص على إيصال الماء المعالج من البلدية إلى منزله لاستخدامه للمنطقة الخارجية، خاصة أنها موفرة وأقل تكلفة، والألواح الشمسية طاقة بديلة للإضاءة، ليوزعها في المنطقة الخارجية في المنزل وفي الحديقة معتمداً على إضاءتها مساء ومستغنياً عن الإضاءة الكهربائية، ليشارك في الاستدامة .

ويقول: مطلع بشكل كبير على التلوث البيئي، وما تواجهه البيئة من تحديات، وهذا يجعلني أشعر بالمسؤولية تجاه بيئتي، لأسهم في حمايتها من خلال هذه الممارسات، وأنوي لاحقاً زراعة النباتات فوق سطح المنزل، وأحرص على تحويل قطع غيار إلى منتجات فنية جميلة بهدف التوعية البيئية خاصة أنه لدي ورشة نجارة في المنزل وأصمم اللوحات والإكسسوارات والأثاث المنزلي .

يضع علي خميس “صاحب أعمال حرة” لمساته في كل عمل يبدأ به، ليبتكر طريقة بناء خاصة به وصديقة للبيئة، بحيث تكون خفيفة وقوية وقابلة للتشكيل وتبدو كبناء متكامل، معتمداً على الأسمنت فقط وحديد بمقدار بوصة واحدة، والسقف خفيف ويضع عليه “الجالي” وهو نوع من الألمنيوم حتى لا يصدأ، ويضع الأسمنت من دون إضافات على السقف ليصبح قوياً كالحديد، ويضع فوقه طبقة عازلة ليمنع تسرب الماء، وحرص على اعتماد هذا النوع من البناء في المساحة الخارجية في منزليه في رأس الخيمة ودبي، ليبني الغرف الخارجية والشلال وحوض السباحة .

يقول: تكلفتها أقل وأخف وزناً وثابتة وقوية، وفي الصيف تكون أكثر برودة مقارنة بالبناء العادي وفي الشتاء أكثر دفئاً، وأزينها بالسيراميك والديكورات المختلفة لتمنحنا مظهراً جمالياً . ويلفت إلى أن الحفاظ على البيئة توارثوه من الأجداد، ونقلوه لأبنائهم، وهي مسؤولية جميع القاطنين على الأرض .

يعشق صلاح عمران “موظف” الزراعة، ويفضل أن يتناول وأفراد أسرته طعاماً صحياً، ليزرع الخضار الورقية والكزبرة والبقدونس والخس والطماطم والخيار والباذنجان والملفوف والزهرة والعديد من الأصناف الأخرى في مزرعة منزله، ويجعل الاهتمام بالزراعة مسؤولية جميع أفراد الأسرة، لتشاركه زوجته ذلك وكذلك أبناؤه، يقول: أعتمد على الزراعة العضوية الصديقة للبيئة من خلال مبادرة الشارقة “مزرعة في كل بيت”، وغيرت من أسلوب حياتي لأن هذا المشروع حل مستدام بيئياً واقتصادياً، خاصة أن كافة المواد التي وزعت صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير .

المهندس المعماري هانس فيرنر “محاضر في الجامعة الأمريكية في الشارقة في قسم التصميم والهندسة” يقول: البيوت صديقة البيئة تعتمد على التصميم الكامل للمنزل، من حيث الزوايا والاتجاهات ونوعية المواد المستخدمة، والاستفادة القصوى من الإضاءة البديلة “طاقة الشمس” بحيث تصمم الشبابيك بطريقة تبدو داخلية ومظللة بجدار لتمنع دخول أشعة الشمس بطريقة مباشرة، واختيار زاوية المنزل له دور كبير في التصميم، ونوعية الزجاج المستخدم، واستخدام الطابوق العازل للحرارة، والاعتماد على الألوان الفاتحة لتقليل الحرارة وبقائها لفترة أطول، ولابد من الاعتماد على أجهزة تكييف حديثة لتقليل استهلاك الكهرباء من خلال الأنظمة الجديدة، والاعتماد على السخان الشمسي لتقليل وتزويد المنزل بأكمله بماء ساخن .

ويشير إلى أن المواد الصديقة للبيئة التي تستخدم في البناء ربما تكون أعلى تكلفة أو أقل وأحياناً بنفس قيمة المادة العادية .

ويلفت إلى أن 20% من المواطنين اتجهوا إلى بناء بيوتهم بطريقة صديقة للبيئة، ويتساءلون عن المواصفات وطريقة التصميم ونوعية المواد المستخدمة، مؤكداً أن تكلفة البيوت الصديقة ربما تكون أعلى بنسبة 10 إلى 20% من تكلفة المنزل العادي لو تم اختيار الاستشاري المحترف .

ويضيف: انتشرت فكرة المباني الصديقة للبيئة بشكل سريع في الإمارات، بفضل تبني الحكومة فكرة الاستدامة، فنجد عدداً من المباني والمساجد والجامعات تبنى بهذه الطريقة، وفي أوروبا احتجنا 20 سنة لتنفيذ البيوت والمباني الخضراء .

العزل الحراري إلزامي

المهندس أحمد البدواوي “رئيس شعبة البحوث ودراسات البناء” يقول: تولي إدارة المباني في بلدية دبي اهتماماً كبيراً بتحقيق الاستدامة في مبانيها للوصل إلى مجموعة من الأهداف الحيوية التي تمس الصالح العام والخاص، حيث قامت بتطبيق العديد من القوانين والمبادرات في سبيل الوصول إلى هدفها المنشود هو دبي أكثر مدن العالم استدامة بحلول 2020 .

فبدأت إدارة المباني في تطبيق نظام العزل الحراري على المباني بشكل إلزامي منذ سنة 2003 إضافة إلى ترشيد استهلاك المياه في المباني، استخدام المصابيح الموفرة عالية الكفاءة واستخدام السخانات الشمسية لتوفير المياه الساخنة وجاءت هذه الخطوات تمهيداً لتطبيق شروط ومواصفات المباني الخضراء على جميع المباني الجديدة في دبي، وكثفت الإدارة جهودها في مجال التوعية والتدريب من خلال تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات والمعارض، كل ذلك أسهم في توعية وتثقيف الجمهور كما ساعد إلى حد كبير في اقتناع الجمهور بإلزامية التطبيق .

كما اهتمت إدارة المباني بتثقيف الاستشاريين والمقاولين كونهم حلقة الوصل بين البلدية والملاك والجهة المنفذة للمشاريع فأقامت الكثير من الندوات التعليمية عن آلية التطبيق وشرح لائحة شروط ومواصفات المباني الخضراء بالتفصيل حتى يسهل عليهم التطبيق وتصبح منظومة المباني الخضراء متقبلة لدى الجميع كما أنشئ مختبر خاص لفحص المواد والمنتجات الخضراء مجهز بأحدث المعدات والأجهزة، وتم إعداد دليل إرشادي للعزل الحراري ودليل آخر للمباني الخضراء وبعد كل هذه الجهود في التوعية والتثقيف جاءت خطوة إلزامية تطبيق القانون، حيث أصدرت بلدية دبي في مطلع مارس 2014 قانوناً بتطبيق لائحة شروط ومواصفات المباني الخضراء على جميع المباني الجديدة في دبي والجدير بالذكر أن التحول لم يشكل عقبات أو مشاكل تذكر حيث تم إصدار 1600 رخصة بناء منذ صدور القانون، وستواصل إدارة المباني جهودها في مجال الاستدامة وستحرص على أن تبقى دبي مدينة صحية تتبع أعلى معايير التنمية المستدامة، وذات بيئة نظيفة خالية من الملوثات .