المساكن
المساكن

خصائص المساكن والمستوطنات المعمارية والعمرانية


تكونت المستوطنات العمرانية التقليدية على أراضي المملكة العربية السعودية في مناطق متعددة، تفصل بينها صحاري شاسعة، يرعى البدو الرحل فيها مواشيهم، وفي بيوت من الشعر (الخيام) مكان لسكناهم، ونظرا لكبر الرقعة الجغرافية للمملكة ولما تتميز به مناطقها المختلفة من تنوع في الخصائص المناخية والطبوغرافية والبيئية واختلاف في مواد البناء المتوفرة فقد وجدت بالإضافة إلى بيت الشعر أنماط أخرى من المساكن التقليدية المتميزة في المستوطنات العمرانية بمختلف مناطق المملكة، لقد أثبتت هذه المساكن صلاحيتها وكفاءتها وفعاليتها كحلول تصميمية ملائمة للعوامل المناخية وملبية للاحتياجات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية للسكان.
لقد تطورت هذه المساكن في القيم والأفكار التصميمية وفي تقنية واستخدام مواد البناء المتوفرة من خلال خبرة أجيال عديدة من معلمي البناء المحليين عن طريق التجربة المستمرة مع العمل دائما على تجنب الأخطاء وتطوير الخبرات، فكانت بذلك نماذج جيدة للمساكن المستجيبة للمتغيرات المختلفة (مثل التنوع في العوامل المناخية وتقنيات ومواد البناء) ومحافظة في نفس الوقت على الثوابت المشتركة (كالقيم الإسلامية الداعية إلى الحفاظ على ستر المحارم وتوفير السكينة والطمأنينة للأسرة).
وبالرجوع إلى هذه النماذج بالدراسة والتحليل يمكن استنباط واستخلاص مجموعة من المعايير والحلول المعمارية التي يمكن توظيفها لتحسين البيئة السكنية المعاصرة وتصميم مشاريع الإسكان المستقبلية، وسيتم فيما يلي استعراض ورصد الخصائص العمرانية والمعمارية للمساكن التقليدية في كل من منطقة نجد، والمنطقة الغربية، والمنطقة الجنوبية، والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.

المساكن التقليدية في منطقة نجد

تتكون المستوطنات العمرانية في نجد من واحات زراعية على جنبات الوديان الرئيسية مثل وادي الرمة، وحنيفة، والدواسر، ونظرا لانعزال منطقة نجد وسط الجزيرة العربية بعيدا عن السواحل فقد ظل نمط المساكن التقليدية بها أقل تأثرا بتلك النماذج الموجودة في البلدان الأخرى، حيث تأثر تشكيل نمطها المعماري بمناخ المنطقة الصحراوي الجاف ومواد البناء المتوفرة.

النسيج العمراني

يتصف نمط النسيج العمراني التقليدي في منطقة نجد بضيق الطرقات وبتراص وصلابة الكتل وترابطها وتداخلها مع الفراغات المعمارية في النسيج العمراني، وذلك كردة فعل للمؤثرات المناخية، كما يتميز نمو هذه المستوطنات بالعفوية، فالشوارع بوجه عام ضيقة ومتعرجة، بحيث توفر أكبر قسط ممكن من الظلال لحماية المشاة من أشعة الشمس الحارقة، بالإضافة إلى تقليل آثار الرياح والعواصف الرملية، ويوجد كذلك ضمن النسيج العمراني العديد من الشوارع المسدودة التي لا منفذ لها، والمساكن متلاصقة، مما يقلل عدد الجدران التي تتعرض لأشعة الشمس المباشرة وفي ذلك وقاية لساكنيها من وطأة الحرارة.

الخصائص المعمارية للمساكن

تمتاز المساكن التقليدية في منطقة نجد بقلة وصغر الفتحات الخارجية مع انتشار الأفنية الداخلية لتوفير التهوية والإضاءة الطبيعية، كما وتتميز المساكن بقلة وبساطة الزخارف والتفاصيل المعمارية وخاصة في الواجهات الخارجية، وتبنى المساكن في نجد من دور أو دورين وفي حالات قليلة من ثلاثة أدوار حول فناء داخلي مع الاعتماد على القليل من النوافذ الصغيرة التي تفتح إلى الشارع للمحافظة على خصوصية وسترة الأسرة، حيث توجد الفتحات بصورة رئيسية في الأدوار العليا، أما الفتحات في الدور الأرضي فهي صغيرة جدا وتستخدم التهوية.
يعد الفناء أهم عناصر السكن الطيني في منطقة نجد، فهو يخدم وظائف متعدد، حيث أنه فراغ خارجي لاستخدام جميع أفراد العائلة كما وأنه يقوم بدور المنظم لدرجات الحرارة داخل البيت، فنجده ينعم بالظل نهاراً ويكون مفتوحا على السماء ليلا حيث يحتفظ بهواء الليل البارد لساعات النهار الحارة، وكثيرا ما يكون لهذه المساكن مدخلان، أحدهما للنساء والعائلة، والآخر للرجال والضيوف، وللمحافظة على خصوصية المساكن يقام في فراغ المدخل أمام الباب مباشرة حائط ساتر ليمنع نظرات العابرين في الشارع ويحافظ على خصوصية المسكن وساكنيه.
تشيد المساكن في منطقة نجد من قوالب اللبن المصنوعة من الطين المخلوط بالتبن والماء والمجففة تحت أشعة الشمس، وتبنى الحوائط بسمك (60 سم) لتوفير العزل الكافي من الحرارة الخارجية، إن استخدام الطين في البناء يعد من الأمثلة الجيدة على مدى التكيف مع البيئة نظرا لما يتميز به من قدرة منخفضة على توصيل الحرارة، وتستخدم الأحجار الجيرية المتوفرة في المنطقة في بناء أساسات بعض المساكن لحمايتها من تأثيرات مياه الأمطار.
أما الأسقف فتشيد من أعصاب خشبية من جذوع شجر الأثل وفي بعض المباني من جذوع النخيل ترص بشكل عمودي ويرص فوقها جريد النخيل المتلاصق بجوار بعضه ثم تغطى بالحصير المشغول من سعف النخيل يعلوه طبقة سميكة من الطين. ويحيط بالسطح جدار بارتفاع أعلى من الإنسان البالغ لتوفير الخصوصية والستر، لكي يتمكن جميع أفراد العائلة من الاستمتاع بالجلوس والنوم في ليالي الصيف الجميلة، أما الأبواب والنوافذ والأعتاب فتصنع من الأخشاب المتوفرة محليا ويتم زخرفتها بتكوينات تشكيلات هندسية بطريقة الحفر وباستخدام الألوان الزاهية.
توجد على الحوائط الخارجية للمسكن التقليدي في منطقة نجد تكوينات زخرفية لتزيين الواجهة على شكل مثلثات بارزة مقلوبة إلى الأسفل تعلوها(أفاريز) تجاويف طولية تحدد المستويات المختلفة للمبنى، أما أركان سطح المبنى فتزين بأشكال متدرجة بنهايات دقيقة إلى الأعلى، حيث تعتبر هذه المعالجات الزخرفية مفيدة عملياً في إبعاد مياه الأمطار عن جدران وأركان المبنى، وتزين بعض الحوائط الداخلية بالزخارف الجبسية المحفورة مثل أرفف حفظ الأوعية بجوار (الوجار) الموقد المخصص لإعداد القهوة والشاهي.