قراءة تسلسل الحمض النووي


قراءة تسلسل الحمض النووي

الحمض النووي كل خلية تقريباً في جسم الإنسان –من اصابع القدم الى اعماق خلايا المخ- تحتوي على مجموعة كاملة من المادة الوراثية

المعروفة بالحمض النووي دي إن أي الذي يحمل تعليمات

التشغيل و العمل لجسم الإنسان بداية من لون شعره و بشرته إلى قابلية اصابته بالإمراض.
منذ سنوات استطاع الاطباء فخص بعض الجينات و اكتشاف الطفرات فيها المرتبطة بالأمراض مثل الانيميا المنجلية الذي يصيب نخاع الدم او مرض التكيس الحويصلي الذي يصيب الرئة و البنكرياس و لكن حديثا و خلال السنتين الماضيتين اصبح بإمكان العلماء فحص كامل الشفرة الجينية للشخص –تعرف بالجينوم و هي كامل المادة الوراثية في الخلية – عن طريق عمل قراءة تسلسل الحمض النووي لجميع الجينات – عشرون الف جين – دفعة واحدة.

 

 

الحمض النووي

 

 

قراءة تسلسل الحمض النووي هي مثل قراءة كتاب حرفا حرف لاكتشاف أي خطأ املائي و حيث ان الشفرة الجينية للإنسان موجودة في الكروموسومات (و هي قطع و عصيات صغيرة داخل نواة الخلية و عددها 46 كروموسوم تكون على شكل ازواج نصفها من الاب و النصف الاخر من الام)فإن عملية التدقيق الإملائي سوف يشمل 46 كتاب من الحجم الكبير!
الحمض النووي دي أن أي يشبه السلم الحلزواني يتكون من شريطين متوازيين من المادة الوراثية .كل درجة من درجات هذا السلم مرتبطة من الجهتين بأحد الاحماض النووية الاربعة المشهورة ( A,T,C,G) .حيث ان الحمض النووي A يلتحم بالحمض النووي T و الحمض النووي C يلتحم بالحمض النووي G على

طول شريط السلم الايمن او الايسر.ترابط هذه الاحماض النووية و ترتيبها بشكل تسلسلي ثابت يعرف بتسلسل الحمض النووي و حسب هذا الترتيب الثابت و التغيرات التي تحدث فيه بين فرد و أخر هي التي تعطي التميز بين البشر. و لكم بالإجمال فان ما يزيد عن 99% من المادة النووية بين البشر متطابقة و الفروق البسيطة فقط هي التي تعطي هذا التميز . و بعض هذه الفروق قد تسبب مرض او قابلية للإصابة بمر وقت لا تسبب أي شيء.
الجينات و التي تتكون من أحماض نووية مترابطة ببعضها البعض على شكل شريط في سلسلة طويلة مثل حبات اللؤلؤ في عقد اللؤلؤ و مجدولة داخل الكروموسومات.و الكروموسومات التي ذكرنا هي 46 كروموسوم نصفها ورثناه من ابائنا و النصف الاخر من أمهاتنا و حيث انها تأتي على شكل ازواج فان الزوج الاخير منها هو الذي يحدد جنس الجنين فإذا اعطى كل من الأب و الام كروموسوم اكس فإن الطفل يكون انثى و اذا اعطى الاب كروموسوم واي و الام اعطت كروموسوم اكس اصبح الجنين ذكر بإذن الله.

 

 

الحمض النووي

 

تحتوي الكروموسومات انواع مختلفة من الجينات و العلماء يعلمون على سبيل المثال أن الكروموسوم رقم واحد يحتوي الجين الذي يعطي قابلية وراثية لان يصاب الانسان بالملاريا و هو مرض طفيلي،بينما كروموسوم 16 يحتوي الجين الذي يؤثر على لون الشعر. بعض الناس لديهم نقص او زيادة في بعض الكروموسومات و التي قد تسبب مشاكل صحية و البعض لديه فقط شقلبه فيها من دون أن تؤثر على صحته.كما أن هذه التغيرات في الكروموسومات و الطفرات في الجينات قد تتوارث بين الاجيال و قد تكون تغيرات او طفرات جديدة لم توجد في الاجيال المتقدمة .

لكي يتم قراءة تسلسل الحمض النووي لاي شخص فإن الاطباء يحتاجون عينة من الدم بحجم ملعقة الشاي او
عينة من اللعاب. ثم يضيفون عليها مواد كيميائية لتكسير جدار الخلية و عزل المادة الوراثية.

كانت هذه العملية تأخذ عدة اشهر منذ بضع سنوات قريبة و اصبحت المدة الان قصيرة جدا تتمثل في بضعة ايام يتبعها عدة اسابيع لكي تتم مراجعة القراء ة و التدقيق الاملائي لها و مقارنتها بالقراءات المعترف بها للإنسان السوي و ايضا مقارنتها بالقراءات التي سبق ان عرف انها تسبب امراض او تزيد من احتمال الاصابة بإمراض.المادة الوراثية من داخلها بعد أن يتم إذابة البروتينات من حولها عن طريق بعض الإنزيمات..بعدها يتم ادخال هذه العينة الصغيرة في جهاز معقد ليتم قراءة 3 بلايين حرف من حروف الشفرة الوراثية داخل الحمض النووي هذا.

نتائج الفحص و التوقعات و المفاجئات

ظهرت النتائج الفحص و كانت واضحة كوضوح الشمس لكن لم يعرف الاطباء ماذا يفعلوا بالنتيجة! تم فحص طفل مريض و قراءة تسلسل الحمض النووي له في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا في الولايات المتحدة الامريكية و اظهر الفحص نتائج غير متوقعه حيث تبين ان الطفل لدية طفرة في احد الجينات التي سوف تسبب خرف مبكر في عمر الاربعين عام. هذه النتيجة ليس لها علاقة البته بمرض الطفل و ليست السبب من اجلها عمل هذا الفحص .اصاب الاطباء حيرة ،هل يخبر الاطباء والدي المريض هذه الاخبار المفجعه؟
احتار الاطباء و تشاورى و بعد شد و جذب تم اتخاذ قرار بعدم اخبار الابوين بهذه النتيجة التي تسبب خلل في الذاكرة عند الكبر حيث انه لا يوجد علاج و لا دواء شافي او واقي منه و النتيجة الحالية لا تساعد في تجنب الاصابة او عمل أي شيء في الوقت الحالي.و الاهم هو عدم الاضرار بالناس قبل ان تقدم لهم معلومات اضافية.
في نفس الوقت قام الاطباء بفحص طفل اخر لديه قصر بالقامة مع مرض بالكلى و اكتشف المختبر بعد عمل قراءة تسلسل الحمض النووي ان الطفل ذو الثالث اعوام لديه طفرة في جين يسبب مرض نادر يؤدي لسرطان القولون.و قد يظهر عن بعض الاطفال زوائد لحميه داخل الامعاء و قد تظهر اول اصابة بالسرطان في عمر سبع سنوات فما فوق.في هذه الحالة كان قرار اخبار الابوين عن هذه النتيجة الغير متوقعه امر اسهل.و قد يكون هذا المسح الغير مقصود يغير شيء في مستقبل هذا الطفل.
بدأ مجموعة من الاطباء بعمل فحوصات لقراءة تسلسل الحمض النووي لبعض المرضى المصابون بأمراض محيرة او غامضة. لكن الكثير منهم محتارون مع كمية المعلومات و النتائج التي يحصلون عليها بشكل غير مباشر و ليس له علاقة بالمرض الغامض الذي يبحثون عنه.المراكز الطبية تدعوا الى عدم الايذاء و عدم نشر المعلومات البحثية او النتائج للحمض النووي اذا لم تكن هذه النتائج
مهددة لحياة الانسان او يمكن علاج او الوقاية من شيء ما. و لكن البعض الان يطالب باعطاء المريض هذه المعلومات حتى و ان لم يكن هناك علاج للمرض او لا يمكن عمل أي شيء له كانت هذه النتائج تخصهم هم انفسهم او تخص اطفالهم او من يرعونهم.و هناك من يرى ان هذا الامر سوف يسبب قلقا غير مبرر لهذه الاسر و يفجر مشاكل نفسية و سلوكية للشخص و ايضا لطريقة تعامل الوالدين مع الطفل الذي قد يكون مصاب بشيء ما و قد يعامل الاهل الطفل بطريقة مختلفة كان ذلك برعاية ابوية اضافية او تهميش أو ايذاء.

 

 

الحمض النووي

توصي الكلية الامريكية للنساء و الولادة بعدم القيام بفحوصات الجينوم الشخصية لمعرفة مخاطر الاصابة بالأمراض بالمستقبل. فقد تكون هذه الفحوصات في المستقبل مفيدة و لكنها في الوقت الحالي ليست كذلك.كما ان الاكاديمية الامريكية لطب الأطفال تقول “في حال غياب الفائدة العلاجية الواضحة و الخطة الوقائية الفعالة فانه لا يمكن تبرير عمل هذه الفحوصات للأطفال و المراهقين”.و تقوم الكلية الامريكية لوراثة الطبية على صياغة توصية تضع فيها مجموعة من الامراض التي توصي بالكشف عنها عن طريق قراءة التسلسل النووي و التي ترى انه من المفيد عملها.
ماذا عن المرضى انفسهم و اباء الأطفال هي يريدون جميع النتائج حتى وان لم يكن هناك شيء يمكن عمله كان ذلك علاجيا او وقائيا ؟ هل المعلومات التي نحص عليها دائما مفيدة لنا ؟ او ان عدم علمنا عن بعض المعلومات في الحقيقة هو الأفضل هل المعلومات ممكن ان تضرنا و تؤذينا و تنغص علينا عيشتنا هناك الكثير من الاسئلة و الاجابات محدودة.و لكن في رأيي الشخصي ان هناك تفاوت بين الناس في رغبتهم معرفة المعلومات فبعضهم لا يريد ان يعرف و الاخر سوف يلح و يصر لكي يعرف حتى و ان لم يكن هناك شيء يمكن عمله.
قامت احد المواقع و اسمها انا و 46 بإنشاء قاعدة بيانات تسمح لك برفع جميع تسلسل حمضك النووي ثم تستطيع ان تختار بعدها المعلومات الوراثية التي تريد ان تطلع عليها و بإمكانك ان تأخر معرفتك بعض المعلومات الى وقت لاحق حتى و لو بعد بضع سنين. قد تفيد هذه المعلومات حسب رغبت الشخص كما ان هذه المعلومات قد تعدل و تصبح اكثر دقة مع الوقت حسب التطور العلمي و الطبي في مجال الوراثة و الجينات.