البناء
البناء

ما الذي يرفع البناء Building إلى مستوى الفــــــــن ؟


في اعتقادي إن الذي يميز العمارة ويرفعها إلى مستوى الفن هى تلك المكونات المتراصة مع بعضها البعض والتي تشكل النسق المعماري وبنيته المادية, ابتداء من السطح بمكوناته من ملمس Texture ولون Clour وانتهاء بالشكل Morphology بمكوناته من كتلة Form وفراغ Space , ومن هنا سيكون حديثنا محاولة للتعرف على البنية المادية للعمل المعماري من خلال أحد عناصر هذه البنية آلا وهو اللون وذلك لما للون من قوة كامنة وقدرة على تغيير ظاهر التكوينات والأشكال ولما له من تأثيرات نفسية على المزاج والسلوك .

فالإبداع الفني هو الأداة المباشرة للوصول إلى عمارة متكاملة , وهو فيما أرى يتحقق في العمارة من خلال التأثير الفسيولوجي والنفسي على المتلقي لروافد الجمال والإبهار والتعبير أكثر من مجرد اهتمام بالوظيفية التي تحققها العمــــــــارة.

هذا وقد أضافت الدراسات التي تبحث في تأثير اللون على الإدراك بعدا جديدا لتفهمنا واستخدامنا للتطبيقات اللونية وامكانتها في العمارة وذلك في كل من الواجهات الخارجية وفراغات المباني الداخلية.

فاللون جزء من حياة الإنسان , وإذا نظرنا للعالم حولنا نجد أننا نعيش في محيط لونى تتغير ألوانه باستمرار. وقد تعلق الإنسان منذ اللحظة الأولى لوجوده بالألوان , واستخدامها لتلوين جسمه وتزينه ونقلها بعد ذلك إلى مصنوعاته وجدران مسكنه ، وأخيرا إلى عمارته , ويؤثر اللون في وظائف الجسم مثلما يؤثر الضوء في العقل والإحساس , ولكل من الضوء واللون تأثير عضوي ونفسي يظهران في بعض الوظائف الحيوية مثل زيادة الشهية وسرعة دقات القلب ومن ثم سرعة الدورة الدموية . وللون تأثير نفسي ينعكس على الاستجابة العضوية فبعض الألوان تثير الإحساس بالبهجة والمرح بينما بعضها يثير الكآبة والحزن .

وقد استخدمت الألوان في العمارة منذ الحضارة الفرعونية في فراغاتها
الداخلية وخاصة في الحوائط والأسقف. كما ظهرت المعالجات اللونية في
العمارة الإغريقية نتيجة لاستخدام الجرانيت والرخام , أما في العمارة
القوطية فإن الزجاج الملون كان له تأثير جوهري على فراغاتها الداخلية
, وبالمثل لعب الرخام الملون دورا متميزا في دواخل وخوارج العمارة
بمصر وتركيا وغيرهما من البلاد الإسلامية , كما استخدمت الألوان في العمارة الشعبية في العالم كقرى النوبة وقرى وسط وجنوب أفريقيا التي تعتبر التلوين طقسا هاما من طقوس البناء .

وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الكثير من التيارات الفنية التي
تنادى باستخدام الألوان في البناء وخروج اللون إلى الطرقات العامة ,
حيث استهجن معماريوا تلك الفترة العمارة السائدة والتي وصفوها بالملل
والكآبة . وقد ظهر هذا الاتجاه واضحا في عمارة ما بعد الحداثة
Postmodern وهو تيار معماري يحمل دعوة للعودة ” إلى العمـارة التراثيــة في قـــالب جديــد “.

كما ظهرت حركات لونية أخرى عرفت باسم عمارة الببغاء أو عمارة الطاووس -Peacock Architecture , وهذه يطلق عليها أحيانا اللوحة اللونية أو Pallet of colors والتي استخدم فيها المعماريون الألوان الأساسية الأربعة : الأحمر, الأصفر, والأخضر, والأزرق للتأكيد على التشكيل المعماري أو تقوية التتابع الفراغـــــــــي و للتذكير بأهمية اللون في العمل المعماري .
إن استخدام اللون في البيئة العمرانية يضيف إليها بعدا جديدا يأتي
من كون الألوان ذات تأثيرات نفسية, حيث تعطى إحساسا بالانتماء المكاني للأفراد , وتقلل من الميول التخريبية , وتزيد من الإنتاج وتفاعل الإنسان مع البيئة المحيطة