هندسة معمارية : التخطيط العمراني للحدائق


التخطيط العمراني للحدائق

تعد حدائق بابل المعلقة احدى عجائب الدنيا القديمة في العالم، و التي كانت تعتبر انجازا معماريا استثنائيا في ذلك الوقت، لكن في عصرنا هذا اصبحت الحقول المعلقة مشهدا مالوفا و يعود الفضل الى اللمهندسين المعماريين في جميع انحاء العالم.

لقد قام المصمم الارجنتيني Emilio Ambasz بتحويل حديقة Tenjin العامة في اليابان بمساحة 100,000 قدم مربع في وسط مدينة Fukuoka، الى 15 تراس مصطب لصالح شركة ACROS (Asian Crossroads Over the Sea)، و بذلك فقد قدم حلا لمشكلة عمرانية قديمة تجمع بين رغبة الجهة المطورة بالاستفادة المثلى من الموقع و حاجة السكان الى مساحات خضراء مفتوحة، و لقد نجح المشروع بخلق نموذج زراعي و عمراني مبتكر في كتلة واحدة.
حيث تعتبر قاعة Fukuoka الدولية التوليفة الاهم من بين ابتكارات Ambasz، حيث تكشف الجهة الشمالية منها عن واجهة انيقة للغاية الى جانب مدخل رسمي ملائم للمبنى الواقع في اكثر الشوارع شهرة في مركز Fukuoka المالي، بينما تمتد الجهة الجنوبية من القاعة الى حديقة Tenjin من خلال سلسلة من الحدائق المعلقة التي تتسلق على كامل ارتفاع المبنى، و تبلغ ذروتها في حديقة رائعة تتيح مشهدا مؤثرا لميناء المدينة.

تحت تراسات الحديقة الخمسة عشر تقبع هنالك مساحة متعددة الاستخدامات على اكثر من مليون قدم تربيعي، و تضم هذه المساحة قاعة معارض و متحف و مسرحا يستوعب حتى 2000 مقعد، الى جانب قاعات لعقد المؤتمرات و مكاتب حكومية و خاصة، فضلا عن العديد من الطوابق الخاصة بمواقف السيارات تحت الارض و محل بيع التجزئة.

و بالنسبة للموقع الذي تعود ملكيته للمدينة، فيعتبر اخر بقعة غير مطورة في Fukuoka المركزية، و التي اصدرت المدينة قرارا بتطويرها مؤخرا بالاشتراك مع القطاع الخاص، حيث تقضي الخطة بتاجير الارض لمدة ستين عام الى جانب تشييد مبنى على هذه الارض، كما خصص جزءا من مساحة المبنى عموميا الى جانب البلدية، في حين سيتم الاحتفاظ بالمنطقة المتبقية لزيادة عائدات المبنى، الامر الذي يعتبر من اولويات الجهات المطورة.

و لقد رافق Ambasz شعورا بالقلق ازاء تأثير هذا المشروع على حديقة Tenjin و هي البقعة الخضراء الوحيدة المفتوحة في المدينة، و لذلك تعمد ان يعيد قدر الامكان لمواطني Fukuoka ما اقترضه منهم من اراضي؛ و لكنه في المقابل نجح بتحقيق المصالحة بين مضاعفة حجم الحديقة و تزويد مدينة Fukuoka بكتلة رمزية في وسطها.

 

 

 

التخطيط العمراني

 

 

فعلى طول حافة الحديقة، نرى ان المبنى يرتفع طابقا تلو الاخر على شكل طبقات منخفضة و مسطحات خضراء، ليحتوي كل تراس منها على مجموعة من الحدائق للتامل و الاسترخاء و الهروب من زحام المدينة، بينما يكشف التراس العلوي عن حديقة كبيرة تؤمن اطلالة لا توصف على خليج Fukuoka و الجبال المحيطة بها.

و ترتبط سلسلة من البرك الانعكاسية الى الاعلى من هذه التراسات مع نوافير يتصاعد فيها رذاذ المياه نحو الاعلى، ليبدو المنظر اشبه بشلال يخفي وراءه الضوضاء المحيطة بالمدينة، و تقع هذه البرك مباشرة فوق الردهة الزجاجية المركزية داخل المبنى، و التي تسمح بنشر الضوء من خلال الزجاج الذي يفصل ما بين البرك.

و مما يجلب الانتباه وجود صخرةٍ كبير عند سفح الحديقة، حيث يقوم هذا الحجر بتشكيل مدخل على شكل حرف V، و يوحي هذا الحجر الخام بالطبقات الجيولوجية الكامنة وراء الغطاء النباتي التي تجعل من المبنى يبدو و كانها كتلةٌ ضخمة تم اقتطاعها من الارض، كما يساعد هذا الفراغ على تهوية الطوابق تحت الارض و يخدم كمنصة لتجارب الاداء للعديد من الفنانين.

و يقابل الجانب الاخر من المبنى اكثر الشوارع ذات الطابع المالي في Fukuoka، و يتالف من زجاج مخطط، تعكس كل زاوية من زوايا طوابقه المارة في الاسفل، و تخفف بالتالي من كتلة المبنى، حيث تنحدر الواجهة ظاهريا من السطح الراسي مع كل طابق بشكل متعاقب، مما ساهم بتشكيل مظلة فوق الرصيف.
لقد نجح Ambasz باستخدام الاسطح البارزة المتتالية بدلاً من ابتكار نظام اخر الهدف منه تامين غطاء لتظليل المشاة، في حين استطاعت الطبقات العلوية المصطبة خلق كورنيش كبير يتدلى على حافة الشارع كان من شانه تحديد المدخل العام مع تعزيز الطابع العمراني للمبنى.

لقد استطاع هذا التصميم ان يجعل من الحديقة و المبنى جزءان لا ينفصلان، و يقوم في الوقت نفسه برد الجميل الى المدينة و اعادة كل شبرٍ من الاراضي التي تم اقتطاعها من قبل، و يسمح للبنية العمرانية بحجز مكان لها في المساحات العامة المفتوحة و الاستفادة قدر الامكان من المصادر العضوية التي لا تقدر بثمن.