مقدمة في أنظمة الاتصالات


أنظمة الاتصالات

أنظمة الاتصالات عند الكلام عن مجال “الاتصالات Telecommunication”، فإن التركيز غالباً ما يكون عن التّقنيات الحديثة التي تؤمن التّواصل بين الهواتف وأبراج الإرسال أو بين الحواسيب والأجهزة الذكية والمودم الخاص بإرسال الإشارات اللاسلكية. في الواقع، المَعنى الحقيقي لمصطلح Telecommunication يعني “الاتصال عن بُعد.”
على الرّغم من تنوع أساليب الاتصال والتّخاطب بين الإنسان بوسائل مُختلفة عبر التاريخ، فإن مصطلح “الاتصال عن بعد Telecommunication” قد تخصص بالمجال الهندسي الذي يهتم بتحويل أي معلومة إلى إشارة كهربائية وتحميلها على ناقل Carrier ومن ثم إرسالها إلى مكانٍ آخر حيث يوجد جهاز مُستقبل يعمل على تحويل تلك الإشارة الكهربائية إلى شكلها الأصلي واستخلاص المعلومة المفيدة منها.
عبر هذا المقال التعريفيّ الذي يشكل الحلقة الأولى ضمن سلسلة مقالات مختصة بمجال الاتصالات، سنسلط الضوء على مفهوم “الاتصالات” وأهم مبادئها والمعلومات المتعلقة بها.

تقنية وهندسة الاتصالات Telecommunication Technology and Engineering

دائماً ما تكون أنظمة الاتصالات في حالة تطورٍ دائم بسبب ارتباطها الواسع بالعديد من المجالات الهندسية التّقنية الأخرى، فتقدم أحد المجالات يُعطي فرصة لتطوير أنظمة الاتصالات من منحى مُعيّن. على سبيل المثال، فإن العناصر الإلكترونية المختلفة (فعالة/ غير فعالة، خطية/لا خطية…الخ) تُشكّل الأساس الفيزيائي الذي يتم عبره بناء أنظمة الاتصالات وذلك في أجهزة الإرسال والاستقبال، وهذا يعني أن تطور أنظمة الاتصالات وتقدمها مرتبطٌ بمجالٍ تقنيّ آخر وهو تطور جودة وكفاءة عمل العناصر الإلكترونية. من الجدير ذكره أيضاً في هذا المجال هو الملاحظة الهامة المتعلقة بأهمية أحد فروع العلوم الأساسية: الرياضيات. في مجال تقنيات الاتصال عن بعد سنشاهد وبشكلٍ واضح التّجسيد العملي للعديد من العمليات الرياضية المُتعلقة بالمعادلات التفاضلية Differential Equations، المتسلسلات Series، علم الاحتمالات Probability، العلاقات المثلثية وغيرها. أخيراً، فإن مجال الاتصالات هو المجال الذي يتم تحقيق فيه التّقنيات والرؤى الفيزيائية التي تهتم باكتشاف وسائل بديلة للإرسال السلكيّ التقليدي والتواصل عن بعد مثل الإشارة اللاسلكية وقريباً الإرسال عبر الإشارات الضوئية Li-Fi.
سنتداول في هذا المقال العناصر الأساسية المؤلفة لأيّ نظام اتصالات حديث، فمهما تطوّرت تقنيات الإرسال والبث والاستقبال، إلا أن هذه الهيكلية سوف تكون موجودة في أي نظام تواصل. بأي حال، وقبل الشروع بالحديث عن تفاصيل أنظمة الاتصالات وعناصرها، علينا أن نتكلم بدايةً عن الأمور التي نريد إرسالها عبر أنظمة الاتصالات، أليس كذلك؟

الإشارة والمعلومات Signal and Information

 

 

أنظمة الاتصالات

 

 

 

بشكلٍ مختصر، فإن كل أنماط المعلومات والمعطيات التي يتم تبادلها عبر مختلف أنواع أنظمة الاتصالات تدعى في المجال الهندسي “إشارة Signal”. إذاً، وقبل أن نتكلم عن النظام نفسه، يجب أن نتكلم قليلاً عن الإشارة التي سيقوم بإرسالها عبر طرفيه. كيف نتعامل مع الإشارة؟ هنا يظهر أول تجسيد فعلي للرياضيات بمجال الاتصالات، حيث نقوم بتمثيل الإشارات المنقولة عبر أنظمة الاتصالات باستخدام العلاقات الرياضية، ويتم تصميم وبناء أنظمة الإرسال والاستقبال وفقاً لهذه العلاقات الرياضية من أجل نقل المعلومات المحمولة ضمن الإشارات. لكن ما هي طبيعة تلك المعلومة؟ بالتأكيد تختلف طبيعة المعلومة حسب نوعية نظام الاتصالات نفسه، حيث قد يكون تناظري Analog أو رقمي Digital.

المعلومة في النظام التّماثلي قد تكون:

إشارة صوت (خطاب) (X(t: إشارة أحادية البُعد، تعتمد على تغيّر بُعد السّعة Amplitude مع الزمن. حيث يظهر هذا التغيير عملياً من خلال التغيير الحاصل في مطال (شدة) الإشارة الكهربائية وذلك بتغير شدة الصوت (أو ضغط الهواء) حول اللاقط (المايكروفون).
صورة (ساكنة) (I(m,n: إشارة ثنائية الأبعاد، وعلى عكس إشارة الصوت، لا تتغير سعة هذه الإشارة مع الزمن لذلك تتشكل من بُعدين ثابتين يُحددان ما يُشابه إحداثيات البكسل Pixel التي تتشكل منها الصورة.
فيديو (V(m,n,t: إشارة ثلاثية الأبعاد، حيث يُمكن اعتبارها وكأنها صورة مُتغيرة مع الزمن تعتمد، إلى جانب بعدي السعة، على الزمن. عملياً، تتغير في إشارة الفيديو شدة إضاءة البكسل بتغيّر الزمن.
أما في النظام الرقمي تكون المعلومة – بغض النظر عن نوعها إذا كانت صوت أم صورة أم فيديو – عبارة عن بيانات Data تتشكل من تسلسل بتات Bits، أي العددين المنطقيين ‘0’ و ‘1’، بشكلٍ مُستمر. حيث عند تسلسل عدد مُعين من البتات يكون قد تشكل كلمة، أي كل 2 بت أو 4 بت أو 8 بت أو 16 بت …. وذلك حسب النظام الرقميّ المُستخدم. يفسر النظام كل كلمة بمعنى محدد.

العناصر المشكلة لأي نظام اتصالات

يتألف أي نظام تواصل من ثلاث عناصر أساسية:

المُرسل Transmitter: الخطوة الأولى التي تمر خلالها المعلومة بشكلها ونوعها الخاص في البدء، لكن سرعان ما تخرج من المرسل على شكل إشارة كهربائية، فالمعلومة قد تكون على شكل أمواج ميكانيكية تنتقل عبر حوادث الانضغاط والتخلخل في الهواء، مثل الإشارة الصوتية. مثل هكذا إشارة تتألف من أمواج ميكانيكية تحتاج لأن يتم تحويلها إلى شكلٍ كهربائيّ حتى يكون بالإمكان التعامل معها. يتألف المرسل من عددٍ من الأجهزة الإلكترونية التي تساهم في تحويل المعلومة إلى الشكل الكهربائي.
المُبدل Transducer: يحول هذا الجهاز الإشارات المادية (الأصوات والأضواء، والصور المتحركة …) إلى إشاراتٍ كهربائية يُمكن معالجتها من قبل الدوائر الإلكترونية. بمعنى أوسع، يحول هذا الجهاز التغيّرات في الكميات الفيزيائية مثل الضغط ودرجات السطوع إلى إشارة كهربائية.
المُرمز Coder: يتواجد فقط في حالة الأنظمة الرقمية. يقوم المرمز بتقسيم المعلومة إلى عددٍ من الأجزاء ويرمز كل جزء بسلسلة مكونة من ‘0’ منطقي و ‘1’ منطقي. وهكذا تصبح المعلومة على الشكل الرقمي.
شكل مبسط لعناصر نظام اتصالات لاسلكي، ومراحل انتقال إشارة المعلومات عبر أجزائه الأساسية.
دارة هزازة Oscillator: تشكل إشارة كهربائية مُتناوبة بترددٍ مُعيّن تُدعى بـ “إشارة ناقل Carrier Signal” تكون بمثابة وسيلة النقل للمعلومة. يوجد نوعين أساسين من إشارات الناقل، فقد يكون الناقل جيبي Sinusoidal Carrier أي إشارة شكلها الرياضي هو تابع جيبي Sine أو تابع تجيبي Cosine، أو يكون على شكل نبضات Pulse Carrier.
مُعدّل Modulator: يتم إجراء عملية تعديل على الإشارة قبل إرسالها. يتم التعديل في خواص الإشارة الناقلة التي تحدثنا عنها لكي تَحمِل في خواصها الجديدة هذه المعلومة. في هذه العملية يتم تحميل المعلومة على الناقل لذلك قمنا بتشبيهه سابقاً بوسيلة نقل للمعلومة. يوجد طرق مُختلفة لتعديل إشارة الناقل يتم اختيار أنسبها بحسب الأدوات والظروف المتوفرة والمَهمّة المُراد تحقيقها. قد يطرأ تغيير في إشارة الناقل، أو بلفظٍ أدق قد تُضاف المعلومة على سعة إشارة الناقل، وهذا ما يسمى بـ “التعديل المطالي AM: Amplitude Modulation” أو قد يكون التعديل على تردد إشارة الناقل، وهي العملية المعروفة بـ “التعديل الترددي FM: Frequency Modulation”.

 

 

أخيراً، من الممكن أن يتم التعديل على زاوية انحراف الإشارة، وهي العملية التي تعرف بـ “تعديل الطور PM: Phase Modulation”. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن أساليب التعديل هذه تتم في حالة الأنظمة التماثلية، بينما يختلف الموضوع قليلاً في حالة الأنظمة الرقمية، لكن سوف نتطرق إلى كل حالات التعديل في مقالاتٍ أخرى بالتفصيل.