للمرة الأولى: تصنيع ترانزيستورات من مادة السيلسين


على الرّغم من استحواذ مادة الغرافين على الحصة الأكبر من الاهتمام البحثي والتقني بسبب خواصها المميزة والفريدة (أعلى ناقلية كهربائية مكتشفة حتى الآن، وأعلى قساوة لمادة في الطبيعة)، إلا أن مادة السيلسين الجديدة قد تتمكن من منافسة الغرافين، واستحواذ اهتمام الباحثين والشركات، وحتى أن تكون المادة المستقبلية التي يأمل الباحثون أن تستطيع حل العديد من المشاكل التقنية الحالية، خصوصاً فيما يتعلق بمجال الإلكترونيات والدارات الحاسوبية.

تم توقع وجود مادة السيلسين باستخدام المحاكاة الحاسوبية قبل عقدٍ من اكتشاف الغرافين، حيث تم اكتشاف الغرافين بشكلٍ فعلي وتجريبي عام 2004، ولذلك فإن الغرافين منذ ذلك الوقت قد حازت على الجزء الأعظم من اهتمام العلماء والباحثين. مؤخراً تمكن العلماء من مشاهدة بنية السيلسين لأول مرة عام 2010 باستخدام مجهر المسح النفقي STM، ولتعود المادة مرة أخرى للواجهة، وتحتل مكانة متميزة في الأبحاث العلمية نظراً للخواص الرائعة التي تمتلكها، والإمكانيات الهائلة التي قد تتيحها في التطبيقات الإلكترونية والحاسوبية.

 

المشكلة الأساسية التي كانت تتعلق بالسيلسين هي عدم استقراره بشكلٍ كافي، حيث لم يتمكن العلماء حتى الآن من ابتكار طريقةٍ فعالة يمكن عبرها دمج مادة السيلسين ضمن تطبيقٍ فعال ويحافظ على استقراره وخواصه، ولذلك فإن معظم الأبحاث التي تناولت المادة كانت تجري باستخدام المحاكاة الحاسوبية.
(اقرأوا أيضاً: للمرة الأولى، الحصول على إلكتروناتٍ متعددة بدءاً من فوتون وحيد في الغرافين )
الآن، وفي تطورٍ مذهل، قام مجموعة من الباحثين في جامعة تكساس-أوستين بتكوين ترانزيستور تأثير حقلي Field-Effect-Transistor، حيث أظهروا ببحثهم طريقةً جديدة تمكنهم من اصطناع الترانزيستور باستخدام السيلسين، وقد أظهروا أن الترانزيستور الذي قاموا بتشكيله قادر على تحقيق سرعات فتح وإغلاق كافية لتشكيل الترانزيستورات المكونة للدارات الحاسوبية. تبقى أهمية هذا الخبر تتعلق بأن الباحثين قد تمكنوا للمرة الأولى من تشكيل ترانزيستور من مادة السيلسين.

 

 

coupe

 
قام الباحثون بنشر ورقةٍ بحثية توضح تفاصيل عملهم في مجلة Nature Nanotechnology، وأظهروا كيف قاموا بتنمية السيلسين على طبقةٍ رقيقة من الفضة، ثم قاموا بتتويجها بأوكسيد الألمنيوم. عملية إضافة طبقة الأوكسيد المعدني هي منهجٌ جديد قد أثبت كفاءة جيدة كطبقة حماية، وذلك في الأبحاث التي تم إجراؤها على مادة الغرافين.
(اقرأوا أيضاً: ما بعد قانون مور، الحوسبة النانوية )
الخطوة التالية التي قام بها الباحثون هي أخذ طبقة السيلسين المغلفة، ومن ثم وضعوها فوق رقاقة من ثاني أوكسيد السليكون، مع جعل قاعدة الفضة الملتصقة بطبقة السيلسين في الوجه العلوي. الخطوة التالية هي قيام الباحثين بتشكيل أنماط على طبقة الفضة، بحيث تسمح هذه الأنماط بتحقيق تلامسات معينة، وبالتالي فإنها ستكون قادرة على الفتح والإغلاق بشكلٍ مشابه للترانزيستور.
54d0d0ad9b272
شكل توضيحي يبين مراحل صنع ترانزيستور التأثير الحقلي من مادة السيلسين. حقوق ملكية الصورة تعود لجامعة أوستين-تكساس.
لم يتم اختبار هذا الجهاز الجديد ضمن بيئةٍ مفتوحة، بل تم اختباره ضمن شروطٍ مخبرية محددة، وبالتالي فإنه لا يمكن القول بأن الجهاز الذي تم اصطناعه سيكون فعالاً للتطبيقات العملية والتجارية، بسبب اختلاف شروط العمل بشكلٍ كبير، إلا أن الباحثين يعتقدون أن التمكن من إنجاز الترانزيستور باستخدام مادة السيلسين سيكون الخطوة الأولى تجاه تحقيق الانتشار التجاري للإلكترونيات والدارات الحاسوبية المعتمدة على السيلسين.
ساهم العمل البحثي أيضاً بتأكيد العديد من التوقعات النظرية التي تم الحصول عليها مسبقاً باستخدام المحاكاة الحاسوبية، فقد أظهر العمل التجريبي أن السيلسين يمتلك خواصاً كهربائية مشابهة لتلك التي يمتلكها الغرافين، خصوصاً فيما يتعلق بالناقلية الإلكترونية، حيث وجدوا أنه يسمح للإلكترونات بالحركة عبر المادة بدون أية عوائق، بشكلٍ مشابه تماماً للغرافين.
على الرغم من أن البحث تمكن من إثبات الخواص الإلكترونية المتميزة للسيلسين، إلا أنه قد فشل – نوعاً ما – في دعم التوقعات المتعلقة بكون مادة السيلسين ستكون مادةً سهلة للتبني والتكيف مع الصناعة الإلكترونية. السبب الأساسي الذي دفع العديد من الباحثين لتبني هذا التوقع، هو بنية السيلسين نفسها، فهي تتكون من صفائح ثنائية الأبعاد من السليكون وبسماكة ذرة واحدة، وبما أن السليكون هو المادة الأوسع استخداماً بمجال الإلكترونيات منذ أواسط القرن الماضي والأكثر سهولة للتصنيع، ولذلك اعتقد العلماء أن السيلسين، وبسبب بنيته السليكونية، سيكون مناسباً وفعالاً من أجل الاستخدام في التطبيقات التجارية والصناعية. مع الأسف، لم يتمكن البحث الجديد من إيجاد أية دليل يدعم هذه الفكرة، ولا يبدو في المدى المنظور أن مادة السيلسين ستكون قادرة على أخذ طريقها لمجال التصنيع الإلكتروني بكمياتٍ كبيرة.