هندسة الصوت


هندسة الصوت

تمتد جذور هندسة الصوت sound engineering إلى عام 1877 عندما اخترع توماس إديسون Thomas Edisonالفونوغراف phonograph، وهو جهاز لتسجيل الصوت بطريقة ميكانيكية على أسطوانة cylinder، وعلى الرغم من مساوئ الأسطوانات الكثيرة فإن هذا لم يمنع انتشارها السريع حتى كادت الأسطوانات تعتمد وسطاً media لتسجيل الصوت. إلى أن ابتكر إميل برلينر Emile Berliner عام 1889 الغراموفون gramophone الذي يشبه من حيث المبدأ فونوغراف إديسون، ويختلف عنه بأن التسجيل يتم على أقراص disc. تميزت الأقراص من الأسطوانات بسهولة التعامل والنقل والحفظ في الأرشيف، وفي فترة وجيزة حلت الأقراص محل الأسطوانات عام 1933، وقد ساعدت على ذلك سهولة نسخها وبالتالي انخفاض قيمتها الأمر الذي أسهم بوضع الأقراص في متناول شريحة عريضة من الناس وكان هذا بمنزلة ولادة صناعة استهلاكية جديدة، وهي تسجيل الصوت على أقراص باعتماد الطريقة الميكانيكية (الحفر).

 
بدأت الصناعة الفتية تأخذ أبعاداً جديدة مع ظهور المبدلات الطاقية transducers «كالميكروفونات» والمجاهيرloudspeaker والسمّاعات headphone، واختراع لي دي فورست Lee De Forest للصمام الثلاثي triode الذي استخدم أساساً لتضخيم amplification الإشارات الصوتية الضعيفة، وموازج الصوت sound mixers، فتحولت صناعة تسجيل الصوت إلى استخدام الوسائط الكهرميكانيكية عوضاً عن الميكانيكية البحتة. وبهدف رفع جودة quality الصوت المسجل انكب العديد من المخترعين والفيزيائيين والباحثين على ابتكار طرائق جديدة لالتقاط الصوت وتسجيله فظهرت «الميكروفونات» السعويةcondenser والكهرضغطية piezoelectric، وعكفت الشركات على تصميم أجهزة متخصصة بمعالجة الإشارت الصوتية مثل مولدات المؤثرات الصوتية sound effects والضواغط compressors وغيرها. وكان كل هذا بمنزلة مولد حرفة جديدة هي هندسة الصوت.

 

 

هندسة الصوت

لعل الثورة الحقيقية في هندسة الصوت كانت اختراع آلات التسجيل magnetophon على أشرطة مغنطيسية إبان الحرب العالمية الثانية، من قبل مهندسين ألمان، وانتقال هذا الاختراع إلى الولايات المتحدة عقب هزيمة ألمانيا النازية على يد موللين John Mullin الذي قدم استعراضاً لمزايا التسجيل على أشرطة مغنطيسية في عام 1947. وقد فتحت آلات التسجيل آفاقاً جديدة أمام هندسة الصوت وشاع استخدامها بسرعة في «استوديوهات» التسجيل كما في «استوديوهات» الإذاعة بعد أن أصبح من الممكن تسجيل البرامج المختلفة ومعالجتها وتحريرها editing قبل نقلها للحفظ المديد على أقراص أو إذاعتها broadcast على الهواء.
أدت التقانات الجديدة للتسجيل ومعالجة الإشارات الصوتية إلى نشوء طبقة جديدة من الفنيين ومهندسي الصوت المختصين بتسجيل البرامج المختلفة وما يترتب على ذلك من أعمال مساعدة مثل اختيار نوع الميكروفون المناسب لكل آلة موسيقية، تحديد موقع وضع «الميكروفون» أمامها، وعدد «الميكروفونات» الواجب استخدامها، ومعالجة processingالإشارات الواردة من «المكروفونات» المختلفة قبل مزجها. وشيئاً فشيئاً شق مهندسو الصوت طريقهم إلى مختلف الهيئات كالمسارح و«استوديوهات» السينما والإذاعة والتلفاز، فتوسعت مهام مهندس الصوت لتشمل تخديم الفعاليات المختلفة مثل تقوية الصوت reinforcement في الهواء الطلق كما في الفراغات المغلقة وغيرها.
الاستخدامات المعاصرة لهندسة الصوت

 
أدى تعدد المهام المنوطة بمهندس الصوت وتنوعها إلى تشعب هندسة الصوت إلى اختصاصات فرعية منها هندسة «الدوبلاج» automated dialog replacement (ADR) وهندسة المزج mixing وهندسة المؤثرات الصوتية sound effects وغيرها من الاختصاصات الضيقة. وإذا كان مطلوباً من مهندس الصوت في البدايات أن يكون مختصاً في الهندسة الكهربائية و/ أو الإلكترونية فإن هذا الشرط لم يعد ضرورياً فيما بعد، فارتباط عمل مهندس الصوت بتسجيل برامج غنائية أو موسيقية في «الاستوديو» أو بتقوية الصوت لعمل درامي في المسرح فرض عليه الإلمام بخصائص صوت الإنسان والآلات الموسيقية المختلفة والتنسيق مع مخرج director الفعالية أو مع مؤلف composer المقطوعة الموسيقية موضوع التسجيل، وهكذا أصبح مهندس الصوت المعاصر أقرب للفنان المبدع منه للمهندس أو الفيزيائي الباحث، والغالبية العظمى من «مهندسي الصوت» في الوقت الراهن ليسوا من حملة الشهادات الجامعية أو مهندسين بالمعنى الأكاديمي للكلمة بل مجرد فنيين مع الحد الأدنى من الدراية بأسس الكهرباء والإلكترونيات ومهرة باستثمار الأجهزة الصوتية المختلفة بآن.

 
هندسة الصوت بمفهومها المتعارف عليه في الوقت الحاضر هي تلك الوظيفة التي ينحصر عمل ممارسها مهندس الصوت بتشغيل الأجهزة اللازمة واستثمارها لالتقاط الإشارات الصوتية ونقلها وتسجيلها، و/أو إعادة بثها كما هي الحال في «استوديوهات» الاذاعة والتلفاز أو في المسرح وفي الصناعة السينمائية، والملاعب الرياضية والفنادق والأسواق التجارية المغلقة وغيرها.

 

مجالات الدراسة والتخصص هندسة الصوت

 
تختلف هندسة الصوت عن هندسة «الأوديو» audio engineering إذ يُشترط في مهندس «الأوديو» أن يتمتع بمؤهل جامعي كأن يكون فيزيائياً أو مهندساً أو مختصاً بعلوم الحاسوب والبرمجيات لأن هندسة «الأوديو» تعنى بتصميم أجهزة التقاط الصوت وإصداره وتطويرها وأجهزة التسجيل والتسميع playback والمساهمة بوضع المعايير الخاصة بهذه الأجهزة. يدخل في اختصاص هندسة «الأوديو» مثلاً تصميم أجهزة اختبار وظائف السمع audiometry وتطويرها، واستخدامات الأصوات فوق السمعية ultrasonic في الصناعة؛ وأخيراً تختلف هندسة الصوت وهندسة «الأوديو» عن هندسة الأكوستيكacoustical engineering (تنقل إلى العربية خطأً «هندسة الصوتيات») اختلافاً كبيراً؛ لأن هذه الأخيرة مبنية على الفيزياء والرياضيات وعدد من العلوم التطبيقية الأخرى مثل مقاومة المواد والميكانيك، وغيرها وتتناول بالبحث، فيما تتناول، مسائل العزل الصوتي sound proofing وتحقيق الشروط المثلى للاستماع في الفراغات المختلفة كالمدرجات التدريسية وصالات السينما والمسرح ودور العبادة وغيرها، وهي في هذا المجال على صلة وثيقة بالعمارة architecture والهندسة الإنشائية civil engineering. وتدرس هندسة «الأكوستيك» كذلك الضجيج والاهتزاز وطرائق التحكم بهما noise and vibration control، وهي لا تتعرض لهندسة الصوت على الإطلاق.