البيوتكنولوجيا


البيوتكنولوجيا أو التقانة الحيوية تعنى ببساطة الوسائل أو الطرق techniques التى نستخدم بها الكائنات الحية من بكتيريا ونباتات وحيوانات أو أجزاء منها لتصنيع أو تحسين منتجات مفيدة للإنسان . والبيوتكنولوجيا biotechnology كلمة تتكون من مقطعين بيو bio وتعنى حياة وتكنولوجيا technology وتعنى تطبيق العلم أو المعرفة في الحياة العملية. والبيوتكنولوجيا بمعناها الواسع بدأت منذ أن استأنس الإنسان النباتات والحيوانات أى منذ حوالي عشرة آلاف عام. وقد استخدمها المصريون القدماء في صناعة الخبز والجبن والخمور منذ أكثر من ستة آلاف عام . أما البيوتكنولوجيا الحديثة فقد نشأت نتيجة التقدم الكبير الذي حدث في فروع العلم المختلفة، ففي أوائل السبعينيات من القرن العشرين استطاع العلماء لأول مرة فى تاريخ البشرية من عزل المادة الوراثية DNA وإحداث تغييرات فيها. والDNA أو الحمض النووى الريبوزى المختزل موجود في جميع خلايا الكائنات الحية ويتكون من وحدات تعرف بالجينات genes أو المورثات وهى التي تحمل المعلومات أو الصفات الوراثية للكائن الحي وتساعد على انتقالها من جيل إلى جيل.

 

 

 

57e3c3093ea22article_3576_1

 

 

 

ويعرف التعامل مع هذه الجينات بالهندسة الوراثية genetic engineering أو تكنولوجيا الDNA المطعم أوالمعاد تشكيله (recombinant DNA) واختصاراً rDNA وتتضمن أخذ جين أو أكثر من موضع معين في كائن حي ونقله إما إلى كائن حي آخر أو وضعه ثانية فى نفس الكائن ولكن في مجموعة أو توليفة مختلفة؛ والكائنات الناتجة بعد هذه العملية تعرف بالكائنات العبر جينية transgenic أو المحورة وراثيا GMO والبيوتكنولوجيا هي في الحقيقة مجموعة من التكنولوجيات المختلفة وتشمل ليس فقط الهندسة الوراثية، ولكن أيضا تحليل الDNA ، ورسم الخريطة الجينية، ونقل الجينات، وزراعة الأنسجة، التخمرات البيولوجية، والاستنساخ الحيوانى. تحليل الDNA ورسم الخريطة الجينية genetic mapping مكن العلماء من أن يضعوا أيديهم على جينات معينة، تحمل صفات مرغوبة، فى جينوم الكائن الحى ونقلها باستخدام تكنولوجيا نقل الجينات gene transfer من كائن إلى آخر. كما إن زراعة الأنسجة النباتية plant tissue culture مكن العلماء من تنمية الخلايا لتنتج نباتات كاملة، وبها نستطيع الإكثار من الأنواع الممتازة من النباتات بسرعة وسهولة. أما التخمر الحيوى biofermentation فقد مكن العلماء من الإنتــاج المكثف mass production للأحياء الدقيقة، وتطوير ميكروبات تستخدم في المكافحة الحيوية للآفات التي تصيب النباتات، وإنتاج مخصبات بيولوجية. وعن طريق الاستنساخ cloning نستطيع إنتاج حيوانات متشابهة فى جميع صفاتها وبذلك نستطيع الإكثار من الأنواع الممتازة والنادرة . والأهداف التى يسعى العلماء حاليا لتحقيقها باستخدام البيوتكنولوجيا الحديثة فى النباتات هى نفسها تقريبا نفس الأهداف التى كان المربون يسعون لتحقيقها بالطرق التقليدية للتربية من خلط وتهجين وانتخاب وخلافه ، إلا أن التحوير الجينى genetic modification باستخدام البيوتكنولوجيا الحديثة يتميز بعدد من الخصائص الفريدة :

1- التخصص والدقة :

يمكن اختيار الصفة المطلوبة، وتجنب الصفات غير المرغوبة، بمنتهى الدقة من بين آلاف الصفات التى يمتلكها النبات .

2- السرعة :

يمكن تثبيت الصفة المرغوبة فى جيل واحد، أما فى طرق التربية التقليدية فيتطلب الأمر عدة أجيال تستغرق سنوات .

3- كسر الحواجز بيـن الأنواع :

طرق التربية التقليدية تعتمد على التكاثر الجنسى ، أما تكنولوجيا rDNA فيمكنها نقل جينات من نباتات إلى نباتات أخرى لا تتوافق معها جنسيا ، بل من حشرات أو حيوانات أو بكتيريا إلى النباتات كما حدث فى حالة المحاصيل المقاومة للحشرات (Bt crops) حيث تم نقل جينات من البكتيريا إلى النباتات ، وبالتالى يمكن استنباط أنواع تحمل صفات فريدة لم توجد فى الطبيعة من قبل .

 

وكنتيجة للفوائد المتوقعة من استخدام البيوتكنولوجيا في الزراعة فقد ورد فى تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة فى عام 2001 أن استخدام البيوتكنولوجيا فى الزراعة يعتبر خطوة جبارة بالنسبة للدول النامية. وقد كان الهدف الرئيسى المعلن من وراء تطوير وإنتاج النباتات والحيوانات المحورة وراثيا هو توفير الغذاء لملايين الجوعى والمحرومين من شعوب هذه الدول.

 

 

download-1

 

 

 

 

وعبر عن ذلك نورمان بورلوجN. Borlaug (أبو الثورة الخضراء) والحائز على جائزة نوبل بقوله: “وفرة الغذاء adequate food تعتبر أول مكونات العدالة الاجتماعية” وأضاف بأننا نمتلك الآن المعلومات والتكنولوجيات التي تمكننا من إنتاج الطعام الذي يكفى لتغذية البشر الذين سيعيشون على سطح هذا الكوكب فى عام 2025م. وقد وقع بورلوج مع 3300 عالم آخر من شتى أنحاء العالم (منهم 18 حائزين على جائزة نوبل) وثيقة لتدعيم البيوتكنولوجيا النباتية . ولكن ، هل وفرة الغذاء أو الكمية التى ينتجها العالم هى العامل المحدد لنسبة الجوع أو سوء التغذية؟ منظمة الأغذية والزراعة (الفاوFAO) تقول فى تقرير لها إن الإنتاج العالمى من الغذاء يكفى لسد حاجة الـ 6 مليارات إنسان الموجودين على سطح هذا الكوكب، إنتاج الحبوب وحده إذا ما تم توزيعه بالعدل يكفى لسد حاجة جميع السكان من الطاقة . المشكلة إذن ليست مشكلة إنتاج ولكنها، ويا للأسف ، مشكلة توزيع ، ولإدراك حجم الفجوة الاستهلاكية الضخمة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية يكفى أن نشير إلى أن البلدان المتقدمة الغنية تضم فقط 20% من مجموع السكان فى العالم ومع ذلك فإنها تستهلك حوالي 86% من الاستهلاك العالمى ، وفى المقابل فإن أفقر 20% من سكان العالم يستهلكون فقط 1.3% من الاستهلاك العالمي. ورغم تصاعد النشاط الاقتصادي الذى يقدر حاليا بنحو 30 تريليون دولار سنويا، إلا أن حوالى 1.2 بليون شخص فى العالم يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا. ولكن، والفضل لله، فان منطقتنا العربية (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) طبقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002م هى أفضل منطقة فى العالم من ناحية عدالة توزيع الدخل ، بالإضافة إلى أن نسبة الفقر المدقع بها أقل ما يمكن، حيث يعيش 2.5% فقط من سكان هذه المنطقة على دولارا واحدا أو أقل، وهى نسبة بسيطة إذا ما قورنت بالنسبة العالمية ( 20% ).

 

 

 

download

 

والسبب فى ذلك يرجع إلى أن الإسلام يحض على التكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين،. وطبقا لتقديرات منظمة الفاو FAO فإن 40-55% من سكان الجنوب فى أفريقيا يعانون من سوء التغذية المزمن، بل أن حالتهم أكثر سوءً مما كانت عليه منذ 30 عاما مضت. نصيب الفرد من الحبوب فى جنوب القارة فى الوقت الحالي أقل بحوالي 19% مما كان عليه عام 1970م. والفجوة بين الإنتاج والطلب على الحبوب من المتوقع أن تقفز من 9 ملايين طن عام 1990 إلى 27 مليون طن عام 2020م . إذن فالسبيل الوحيد للخروج من المشكلة هو أن ينتج الإنسان غذاؤه بنفسه بالكميات التي تكفيه ولا يعتمد على المنح والمساعدات التي غالبا ما يكون وراءها أهدافا سياسية، وقديما قالوا: “من لا يملك قوته لا يملك حريته” وما حدث فى الهند يعتبر مثالا يحتذى، فمنذ أكثر من ثلاثين عاما كان السكان هناك يعانون من سوء التغذية والفقر المدقع ولم يكن هناك أمل فى توفير الطعام لهذا العدد الهائل والمتزايد من السكان، ولكن بداية من نوفمبر 2002م أصبحت الهند أكبر مورد للقمح (1 مليون طن متري من القمح سنوياً). وفى الصين، انخفضت نسبة الفقر بحوالى 85% منذ عام 1978 نتيجة زيادة الإنتاج الزراعي وأدى ذلك إلى ثبات الأسعار وتحسن مستوى التغذية .

وسنناقش فى هذا المقال بشئ من التفصيل أهم تطبيقات البيوتكنولوجيا الحديثة فى النباتات والتوقعات المستقبلية، ثم المخاطر البيئية والصحية التى قد تحدث .