الموجات الكهرومغناطيسية والهوائيات وخطوط النقل


إن من أعظم الاكتشافات التي حققها البشر على مدى تاريخهم بعد اكتشافهم وتوليدهم للطاقة الكهربائية هو اكتشافهم
للموجات الكهرومغناطيسية ، ويعود الفضل في ذلك لعالم الفيزياء الاسكتلندي الشهير جيمس كلارك ماكسويل والذي
تكمن عبقريته في مقدرته الفذة على استخدام الرياضيات في صياغة مختلف أنواع الظواهر الفيزيائية وكذلك استنباط
الحقائق الفيزيائية من الصيغ الرياضية ، لقد تمكن ماكسويل في عام 1860م من صياغة جميع القوانين المتعلقة بالكهربائية
والمغناطيسية وتفاعلهما مع بعضهما البعض في أربع معادلات تفاضلية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استطاع
من خلال حل هذه المعادلات التنبؤ بوجود ما يسمى بالموجات الكهرومغناطيسية والتي تم التحقق من وجودها
وإيجاد طرق لتوليدها على يد عالم الفيزياء الألماني هينرتش هيرتز (Heinrich Hertz) وذلك في عام 1887م.

من الجدير بالذكر أنه لولا تطور علوم الرياضيات وخاصة علمي التفاضل والتكامل لما كان بإمكان ماكسويل صياغة
قوانين الكهرباء والمغناطيسية بهذا الشكل المميز ولما كان بإمكانه التنبؤ بوجود الموجات الكهرومغناطيسية.

لقد سهلت الموجات الكهرومغناطيسية عملية نقل مختلف أنواع المعلومات بطريقة لاسلكية (wireless) إلى أي
مكان على سطح هذه الأرض بل وتعداها إلى الفضاء الخارجي ، فبعد سنوات قليلة من اكتشاف وتوليد هذه الموجات
بدأ ظهور كثير من الأنظمة اللاسلكية فظهر التلغراف اللاسلكي في عام 1900م ومن ثم البث الراديوي في عام 1918م
والبث التلفزيوني في عام 1935م ، ولولا اكتشاف هذه الموجات لبقي البشر مقيدين في نقل معلوماتهم المختلفة بالقنوات
السلكية التي تحتم عليهم التواجد في أماكن محددة حيث توجد أطراف هذه الأسلاك كما هو الحال مع الهواتف السلكية ،
لقد مكنت هذه الموجات بناء أنظمة اتصالات تكون فيها المرسلات ثابتة والمستقبلات متحركة أو بالعكس أو يكون كليهما
متحركا وهذا لا يمكن إنجازه باستخدام القنوات السلكية إلا على نطاق ضيق جدا ، ولذلك أصبح الاتصال ممكنا مع السفن
وهي في عرض البحار والطائرات وهي في جو السماء والمركبات أين ما كان موقعها والأشخاص وهم في أي واد
أو جبل يهيمون ، بل أصبح بالإمكان باستخدام هذه الموجات مشاهدة صور في غاية الوضوح لأسطح كواكب المجموعة
الشمسية من خلال كاميرات مثبتة على مركبات فضائية وترسل هذه الصور وغيرها من المعلومات من على بعد مئات
الملايين من الكيلومترات ، وباستخدام هذه الموجات أصبح بإمكان البشر التحكم عن بعد بمختلف أنواع الأجهزة
والمعدات الموجودة في البيوت والمكاتب والمصانع وكذلك في الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والطائرات والصواريخ.

ومع التقدم المذهل في مجال الإلكترونيات والاستغلال الأمثل لترددات الطيف الكهرومغناطيسي بدأ التحول كليا
من القنوات السلكية إلى القنوات اللاسلكية لنقل إشارات المعلومات والتحكم في مختلف المجالات.