الهندسة الجيوتقنية geotechnical engineering


الهندسة الجيوتقنية

geotechnical engineering

الهندسة الجيوتقنية هي العلم الذي يختص بدراسة الأساسات والتأثير المتبادل بينها وبين التربة. يشمل هذا العلم كل ما يتعلق بتعرف التربة وتصنيفها والطرائق المباشرة لتحديد خصائصها الفيزيائية والميكانيكية, وإجراء التجارب المخبرية عليها ومن ثم طرائق الحساب الإنشائي المختلفة وتقنيات بناء المنشآت ذات التماس المباشر مع التربة. كما يشمل كل تقنيات معالجة التربة وحفرها. وتدَّرس الهندسة الجيوتقنية في الجامعات والكليات المختصة بهندسة البناء.

طُوِّر هذا العلم ضمن علوم الهندسة المدنية أو هندسة البناء، وتستند المعارف التي يشملها إلى علوم الجيولوجيا والمناجم. وقد أصبح علماً مستقلاً ضمن العلوم الهندسية، ويعالج الموضوعات الآتية:

1ـ تأسيس المنشآت، مثل: الجسور والأنفاق والطرقات والسكك (علوم التأسيس وبناء الأنفاق والمناجم).

2 ـ بناء المنشآت المائية، مثل: السدود ومحابس المياه «الهويسات».

3ـ دراسات مواقع الأرض ذات الفروقات الحادة والسريعة في المستويات، مثل: حفريات التأسيس، أو الجدران الاستنادية، أو أرصفة الموانئ البحرية أو النهرية.

4ـ دراسات أمان المنحدرات، مثل: منحدرات الطرق، منحدرات خطوط السكك الحديدية، منحدرات السدود، جدران الموانئ.

5ـ بناء منشآت من التربة، مثل: السدود الترابية، ردميات الطرق، وغيرها.

6ـ فحص التربة وتصنيفها لأعمال التأسيس وتأثير المياه الجوفية في ذلك.

7ـ فحص المنشآت الترابية التي تخترقها المياه مثل أكتاف قنوات جر الماء ودراستها.

8ـ قياس آثار الأحمال الديناميكية على التربة ودراستها، مثل: آثار الدق أو التفجير أو الاهتزازات الناتجة من وسائل النقل.

9ـ حماية التربة والمياه الجوفية من الملوثات.

يتم بوساطة علمي ميكانيك التربة والجيولوجيا الهندسية دراسة التربة بهدف تحويل العلاقة المتبادلة بين التربة والمنشأ إلى علاقات رياضية، ويستطيع المهندس باستخدامها أن يصمم العناصر الإنشائية ذات التماس المباشر مع التربة بناء على تحمل الحمولات المطبقة عليها، فيتحقق فيها الأمان والاقتصادية.

يقصد بالأمان بقاء أفعال مجموع القوى المقاومة للانهيار في أي مقطع من المنشأ (قوى قص، قوى ناظمية، عزوم) أكبر من أفعال القوى الخارجية التي تدفع المنشأ نحو الانهيار. أما الاقتصادية في التصميم فتعني تصميم عناصر إنشائية ذات أبعاد وخواص تحقق شروط الأمان المطلوبة دون هدر أو إسراف.

تطور علم الهندسة الجيوتقنية مع تطور طرائق الحساب وكذلك مع تطور تقنيات قياس الإجهادات والتشوهات في العناصر الإنشائية ذات التماس المباشر مع التربة. كما تطورت كذلك تقنيات تنفيذ الأعمال الجيوتكنيكية الخاصة بتحسين مواصفات التربة الميكانيكية، مثل:

1ـ رج التربة العميق مع حشوها بتربة خشنة أو بالبيتون الردمي.

2ـ استبدال التربة ورصها.

3 ـ حقن التربة بالمواد الكيمياوية والإسمنت العادي أو الناعم باستخدام ضغوط خفيفة تصل إلى 5 بار bar.

4ـ حت التربة باستخدام الضغوط العالية التي تصل إلى 1000 بار وحقنها في الوقت نفسه بالإسمنت البورتلاندي.

5ـ شق التربة وخلطها وحقنها بالإسمنت العادي.

كما أمكن تسليح التربة بعناصر من مواد صناعية مثل الجيوتكستيل، أو بشدادات دائمة أو مؤقتة، مسبّقة الإجهاد وغير مسبّقة الإجهاد.

نفَّذ الإنسان القديم عند البحث عن الكهرمان والأملاح والمعادن الثمينة حفراً عميقة في التربة وصلت حتى 100 متر. وقد استخدم في الحفر تقنيات بدائية مستفيداً من فعل الماء في تخريب التربة، وكذلك بوساطة تسخين الصخور لتخريبها, فكان حفر بضعة سنتمترات من التربة القاسية والصخور يستغرق بضعة أيام، وقد استطاع الإنسان الحجري دق أوتاد خشبية في التربة كذلك استطاع الرومان نحو 300ق.م استخدام هذه التقنية ذاتها في أعمال التأسيس.

إن أقدم أوتاد خشبية قديمة – تم تمييزها اليوم – هي التي تعود إلى العصر الحجري في بلدة Unteruhldingen في منطقة بودِنزيْه Bodensee في ألمانيا على الحدود مع سويسرا (الشكل 1).

الهندسة الجيوتقنية
الشكل  يبين جملة أوتاد استخدمت لبناء بيوت عليها بين عامي 1700-800 ق.م في منطق Unteruhldingen على بحيرة Bodensee
كما استطاع الرومان في عام 476ق.م استخدام طريقة لدق الأوتاد الخشبية في الأرض لتنفيذ جسر على نهر الراين، واستمر المهندسون الأوائل باستخدام هذه التقنية حتى العصور الوسطى.

كما يذكر من الأعمال الجيوتقنية الخارقة عبر التاريخ على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

1ـ استطاع المصريون القدامى أن ينفذوا سبوراً في التربة بالاستفادة من رؤوس الحفر المزودة بالماس في الفترة الواقعة بين 2550-2315ق.م.

2ـ نفذ الصينيون فيما بين 600 -260ق.م أعمق حفرية بقطر 3.5م وعمق بلغ 609م.

3ـ في بداية القرن الثاني عشر استخرج بعض الرهبان ماء من بئر وصل عمقه إلى 300م.

4ـ في بداية عام 1840تم بفرنسا وبوساطة آلة حفر دورانية حفر التربة حتى عمق وصل إلى 579م.

5ـ كما نفذ في أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1974 سبر دوراني وصل عمقه إلى 9558م.

6ـ ونفذ في منطقة أوبربفالتس Oberpfalz في ألمانيا في عام 1995 سبر وصل إلى عمق 9015م، وتوقف عند ظهور طبقات لدنة من التربة.

أما حقن التربة بالإسمنت فقد نفذ أول مرة من قبل العالم الفرنسي شارل Charles عام 1802 حيث استخدم الماء مع الإسمنت «البوزولاني» في حقن «هويس» مهدد بالانهيار. وبعد ثلاثين عاماً نشر هذا العالم طريقة تنفيذه العمل لتنطلق بعد ذلك تقنيات الحقن للطرائق المذكورة.

وفي عام 1928طورت طريقة حقن التربة بالمواد الكيميائية المقوية من قبل العالم الهولاندي يوستن Joosten، بيد أن تطوير هذه الطريقة قد حـدَّه حالياً هذا وعي الناس لقضايا البيئة وما تحدثه هذه المواد من أضرار على التربة والمياه الجوفية.

أما طرائق تدعيم جدران الحفريات ضد الانهيار فقد طُوِّرت منذ العصور الوسطى، حيث كانت الألواح الخشبية تستخدم لتدعيم جدران الحفريات. ثم طُوِّرت طرائق التدعيم باستخدام الألواح الفولاذية بدلاً من الخشبية؛ إذ استطاع الألماني لارسن Larssen تدعيم التربة باستخدامها في عام 1902، ولازال اسم هذا الشخص يطلق على الألواح الفولاذية هذه حتى اليوم.

تطورت طرائق حساب الأثر المتبادل بين التربة والمنشآت المشيدة عليها، وقد كان الأثر المتبادل بين التربة والمنشأ يدرس بالطرق التقليدية اعتماداً على مبادئ توازن القوى وتوزع الإجهادات المنتظم من دون أخذ أثر انزياح المنشآت الملاصقة للتربة بالحسبان، حتى تمكن العالم تسيمّرمَن Zimmerman في عام 1988 من تطوير طريقة حسابية تمكن من حساب القوى في العناصر الإنشائية الخطية غير متناهية الطول. وقد استخدمت طريقته بغية تصميم قضبان السكك الحديدية. وقد شبه هذا العالم التربة بوسط مرن ذي قساوة تشبه قساوة النابض تعرف بأنها النسبة بين الإجهاد المطبق والتشوّه الناتج تحت تأثير هذا الإجهاد. وتم تطوير هذه الطريقة تطويراً كبيراً بحيث صارت تستخدم اليوم في تصميم أساسات الأبنية.