التطورات الأولية على شكل القبة
ومع التقدم المعماري عبر الحضارات المتعاقبة أصبحت القبب أكثر تعقيداً وووزناً ، فقد أكد المهندسون القدماء أنهم قادرون على إضاءة القبب من خلال ترك مسافات بين الأقواس ، وهذا التصميم الجديد يسمح لأشعة الشمس بالمرور عبر فراغات البينية بين الأقواس وإنارة القبة دون إضعاف البناء .
ومن الأمثلة الشهيرة جامع ميهريما Mihrimah Mosque الذي بني في العام 1555م في اسطنبول /تركيا ، من قبل أشهر المعماريين تم تزويده بــ 161 نافذة إنارة دون أدنى تقليل في المتانة الإنشائية للمسجد .
وبنتيجة السعي الدائم وراء العلو والإرتفاع لجأ المهندسون المعماريون الى الخدع التصميمية للوصول الى مآربهم وطموحاتهم .
فمع بداية العام 1400 م بدأ المهندسون الرومان ببناء القبب المزدوجة المدموجة بقبة واحدة لإنشاء خدع تقنية في الارتفاع ودروس في الإبداع .
وفي العام 1793م بني يو أس كابيتول U.S. Capitol مجلس الشيوخ الأمريكي أو ما يعرف بالبيت الأبيض والذي أظهر براعة أكبر في العمل ، حيث يمتلك البيت الأبيض القبة الأولى والأفخم التي تتوج مبنى سياسياً في العالم .
تم وضع حجر الأساس عام 1793م ، وتعرضت هذه القبة مع البيت الأبيض للعديد من التغيرات فقد أحترق وأعيد بناؤه ، ثم تم توسعته ثم تم تجديده .
تم الانتهاء من القبة الأولى عام 1824م من قبل المهندس الأمريكي شارلز بولفينش ،وكانت مخيبة للأمل بشكل كبير ، وقد تعرضت بعدها الى الحرق واحتاجت الى إعادة ترميم وتم توكيل المهندس الأميريكي توماس يو والتر ، الذي طلب إليه استبدال القبة القديمة وتكبيرها بشكل أفضل وبإنشاء مقاوم للحريق .
القبة هنا أطول وأثقل ولمنع الجدران من التشقق والانحراف هنالك حاجة ماسة لجدران ضخمة كما في المعابد القديمة أو كميات كبيرة من الحلقات الحديدية كما في كنيسة بيتر ستريت ، لكن والتر لم يكن يفكر في ذلك ، بل قرر تصميم قبة مضاعفة تتألف من قبة داخلية صغيرة داخل قبة أطول والتي تشكل خداعا تقنيا مبدعاً .
تتألف القبة الخارجية الطولية من هيكل قليل السماكة ، مدعم بحلقات من 36 عصب حديدي مقوس ، في القسم السفلي أوالداخلي توجد القبة الداخلية الأصغر مفتوحة في القمة (كما مر معنا في تصميم قبب المعابد المفتوحة القمة ) . وتبدو القبة المزدوجة من الخارج كأنها قبة حج-رية كلاسيكية في حين أنها مصنعة بالكامل من الأعصاب الحديدية CAST IRON .
تم الانتهاء من العمل بها في ديسمبر 1863م ، والى اليوم تشكل رمزا من الرموز المعمارية الشهيرة في العالم .
يكننا هنا القول أن الإنتقال من الإنشاء الحجري الثقيل والمكلف الى الأعصاب المعدنية الأخف وزنا في نهاية القرن الثامن عشر يعتبر نقلة نوعية في تطور تصميم وبناء القبب .
ولكن اختراعات القرن العشرين غيرت مفاهيم التصميم والبناء بشكل عام الى الأبد،
ففي عام 1950م ظهر تصميم جديد للقبب geodesic dome غير الطريقة التي ينظر بها المهندسون الى القبب لأول مرة منذ 2000 عام .
الاختراع الجديد هو قبة أنشأها المهندس المعماري الأميركي فولر Buckminster Fuller ، وجاءت القبة الجيوديسيكيةgeodesic dome على شكل كروي مجزأ ، مبني من سلسلة من المثلثات المضلعة كما في الشكل بدلاً من سلسلة الأقواس المعتمدة سابقاً .
واليوم تعتبر القبة الجيوديسيكية شائعة بإنشاءات متنوعة في الشكل والنمط والطراز ، فأحد أشهر هذه القبب في العالم هو مركز ايبكوت Epcot Center الذي يقع في أورلاند – فلوريدا .
ومع التطور العلمي والتكنولوجي ظهرت معطيات جديدة في فنون وهندسة الإنشاءات أوصلتنا الى أحدث ما توصل اليه المهندسون المعماريون في إبداعاتهم .
تزود القبب المنشأة حديثاً بأسطح قابلة للسحب والحركة ، والتي أصبحت خيارا ضروريا في تصميم قبب الملاعب والمدن الرياضية الحديثة في العالم ،كما في قبة السماء في تورنتو / كندا Toronto SkyDome :
تتمتع هذه القبة القيام بمزايا تصميمية لايمكن لقبة أخرى في العالم أن تجاريها ، فهي تتمتع بسقف قابل للحركة الى من وضعية الإغلاق المحكم الى وضعية الفتح الكلي .
تم إنشاؤها عام 1989م ، بهندسة ابداعية فريدة وجديدة ، فالسقف المتحرك يتألف من عدة أجزاء متراكبة تشكل مع بعضها السقف وتختفي مع بعضها في غضون أقل من 20 دقيقة من عملية فتح السقف لينكشف الملعب بالكامل و91% من المدرجات ، ولكن كيف ؟
يتألف السقف من أربع ألواح ضخمة جداً من الفولاذ ، إحدى هذه الألواح مثبتة ، والألواح الثلاثة الباقية متحركة قابلة للأنزلاق وفق نظام مسارات محدد.
كل لوح من هذه الألواح الفولاذية عبارة عن نموذج من الحزام الفولاذي مع هيكلفولاذي متموج و غشاء بلاستيكي مقاوم للعوامل الجوية .
تحتاج عملية فتح السقف الى انزلاق احد الألواح الفولاذية فوق الآخر ،وتحت اللوح الثابت وخلف مركز الأرضية يدور اللوح الثالث الذي يبدأ من خلف اللوح أو الصفيحة الأم الثابتة ، ويدور على سكة دائرية المسار .
على الرغم من الوزن الهائل للسقف المركب الفولاذي والذي يزن أكثر من 11.000 طن ، إلا أن التصميم الهندسي الدقيق يجعل الألواح تنزلق بسرعة تفوق 71 قدم / الدقيقة .