تتنوع مساهمات القطاع الزراعي في دفع عجلة التنمية بحيث تتجلى في أوجه مختلفة وكثيرة، ولعل من بين مساهمات هذا القطاع ما يلي:
1 – مساهمة الزراعة في توفير الغذاء
إن التنمية الاقتصادية تؤدي إلى زيادة الطلب على المواد الغذائية الزراعية، وذلك لارتفاع مستوى الاستهلاك نتيجة لارتفاع الدخول من جهة، ولمواجهة الزيادة في نمو السكان الطبيعي من جهة أخرى. ولهذا فإن النشاط الزراعي يهدف إلى توفير المواد الغذائية لتلبية احتياجات السكان، حيث تعتبر الزراعة المصدر الوحيد للأغذية الذي لا يمكن تعويضه، مهما بلغ الإنسان والدولة من تقدم.
ولذلك فإن تأخرها (أي الزراعة) سوف يؤثر تأثيرا كبيرا ومباشرا على القطاعات الأخرى، الشيء الذي يتطلب زيادة الإنتاج وذلك ليس لمواجهة الزيادة السكانية فحسب، وإنما أيضا لمواجهة الارتفاع الذي يحدث في الطلب على المنتجات الزراعية الناجم عن الارتفاع في الدخول، وهذا يتطلب جهدا كبيرا وإيلاء عناية كبيرة للقطاع الزراعي لزيادة الإنتاج الغذائي حتى لا يتحتم على الدولة سد النقص الغذائي المحلي عن طريق الاستيراد بالعملة الصعبة النادرة دائما، والذي يترتب عليه نقص حصيلة الدولة من النقد الأجنبي، وبخاصة تلك الدول التي هي في حاجة إليه لاستيراد الآلات والمعدات وبعض المتطلبات الأخرى التي لا يمكن الحصول عليها محليا، للقيام بتنمية صناعية. ولهذا يجب على القطاع الزراعي توفير المواد الغذائية عن طريق زيادة الإنتاج المحلي وليس عن طريق الاستيراد الواسع لهذه المواد معتمدة في ذلك على النقد الأجنبي المتحصل عليه من عمليات تصدير بعض المواد الأولية أو النفطية. خاصة وأن مرونة الطلب الدخلية بالنسبة للمواد الغذائية في هذه الدول هي في ارتفاع كبير، إذ تبلغ 6أو أكثر، مقابل 2أو 3في بعض الدول المتقدمة من أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا . ولهذا فإن الاهتمام بتوفير المنتوجات الغذائية محليا يعتبر عاملا مهما في مجال التنمية الاقتصادية، وفي مجال تحقيق الأمن الغذائي، حيث أن السمة السائدة في العالم اليوم هي اختلال التوازن بين احتياجات السكان من المواد الغذائية في كثير من البلدان، وبين مقدرتها على إنتاج ما يسد تلك الاحتياجات؛ فعلى مستوى العالم العربي وحده مثلا ارتفع العجز التجاري من 19.9مليار دولار سنة 2001 ليبلغ 21.4مليار دولار سنة 2002، كما أن العجز يتفاوت من دولة لأخرى ففي الجزائر بلغ حوالي 2824مليون دولار، في حين بلغ حوالي 2335مليون دولار في مصر .2ولهذا فإن بناء قاعدة إنتاجية لتوفير الغذاء أصبح أمرا حتميا في ضوء المتغيرات والتحديات الدولية، حيث أصبحت تجارة المواد الغذائية من أهم ركائز الاقتصاد العالمي بعد ما كانت تجارة السلع الصناعية هي مطمح جميع البلدان. وفوق هذا وذاك، فقد أصبح الغذاء يستعمل كسلاح يتم الضغط من خلاله على الدول التي تكون في حاجة إليه، من أجل موقف سياسي أو تأييد لقضية معينة. ففي ضوء هذه الظروف التي أصبح الأمن الغذائي يحتل أهمية خاصة، فإنه من الضروري وضع خطط زراعية متكاملة تؤدي إلى زيادة المساحة المزروعة ومضاعفة المساحات المروية ورفع إنتاجية المحاصيل إلى أقصى ما يمكن.
وكذلك الاهتمام بالمصادر الرئيسية لإنتاج الغذاء وتنميتها والوصول بها إلى الوضع الأمثل أو المقبول في أسرع وقت ممكن، حيث أن البقاء على الوضع الراهن والمضي بالتنمية بخطوات بطيئة لا يؤدي إلا إلى مزيد من العجز في الإنتاج، ومزيد من المواد المستوردة، ومزيد من الاعتماد على الخارج في تأمين احتياجات السكان من المواد الغذائية، بما يعني تبعية غذائية للخارج.
2 – تقليص أو سد الفجوة الغذائية
يتحدد حجم الفجوة تبعا لكفاءة الزراعة، فكلما كان مستوى الإنتاج المحلي مرتفعا كلما تقلصت الفجوة، والعكس صحيح إذ كلما انخفض الإنتاج اتسعت الفجوة، وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى الاستيراد؛ وتقليص هذه الفجوة يتطلب أموالا طائلة بالعملة الصعبة، ونظرا للمعطيات الواقعية من موارد مادية وبشرية وطبيعية، فإن القطاع الزراعي الجزائري بوسعه تجاوز هذه الوضعية، أو التقليل من حدتها إلى أبعد حدود بشيء من الحزم والعزم؛ بالسعي لخلق الشروط والظروف الأساسية لتجاوز عملية تقسيم الزراعة إلى قطاعين حديث وتقليدي، والعمل على إزالة مظاهر الاقتصاد المعاشي أو القوتي، للقضاء على الاستعمال الخاطئ للموارد سواء كانت بشرية أو طبيعية أو مادية .1إن الاستنزاف المتزايد للموارد المالية من أجل سد الفجوة الغذائية سوف يؤدي إلى الدخول في مديونية لا داعي منها إذا لم تشفع صادرات المحروقات في تغطية العجز بين الصادرات والواردات. غير أن هذا الفارق الإيجابي يتضاءل، وكان من الممكن الاستفادة بهذه الأموال في تغطية بعض النقائص الأخرى مما يساعد على رفع القدرة الشرائية للسكان. هذا وبالنسبة لبعض الدول النامية فإنها تصل إلى حد طلب المعونات من الخارج، ومما لاشك فيه أن استمرار تلقي المعونات الغذائية ينقص من حقيقة الاستقلال السياسي للبلاد. وبالنسبة لبعض الدول ومنها الجزائر، فقد اتضح خطأ السياسات التي طبقت والممارسات التي انتهجت تبعا لتلك التصورات في حق القطاع الزراعي حيث جرى إفقار للقطاع لفائدة القطاع الصناعي. وقد تزامن مع تطبيق هذه السياسات تزايدا مستمرا في الفجوة الغذائية، وما صاحبها من ارتفاع في التكاليف المادية بالعملة الأجنبية، وعلى حساب قطاعات أخرى هي فعلا في حاجة لها.
في حين أنه عندما أظهر المعنيون بالقطاع استجابة عالية لبدء التخلي عن تلك السياسات، فإن ذلك انعكس على تقليص هذه الفجوة؛ فقد بدأت نسبة الاكتفاء الذاتي في الارتفاع التدريجي في بعض المنتجات الزراعية الغذائية، وذلك بمجرد تحرير الأسعار وتشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.
3 – المساهمة في تأمين النقد الأجنبي
يمكن للزراعة أن تساهم في الحصول على النقد الأجنبي وذلك من خلال زيادة صادراتها وعن طريق إحلال السلع المحلية الناتجة عن التوسع في الإنتاج الزراعي محل الاستيراد الزراعي، وذلك بإحداث تغيير في نماذج الاستهلاك والتحول نحو منتجات غذائية محلية، وذلك لأن اللجوء إلى استيراد المواد الغذائية بشكل كبير يكون عبئا ثقيلا على الطاقة الاستيرادية للدولة، مما يحد من إمكانيات استيراد السلع الرأسمالية وبصفة خاصة المعدات والآلات والتكنولوجيا التي هي من مكونات الاستثمار الرئيسي في قطاع الصناعة. والجدير بالذكر أن القطاع الزراعي يعتبر أحد مصادر للحصول على النقد الأجنبي خاصة في بداية عملية التنمية الاقتصادية، ويمثل حجم حصيلة النقد الأجنبي قيدا رئيسيا على حجم الاستثمارات الصناعية التي يمكن إجراؤها، وهذا يتطلب ضرورة توجيه الجهود نحو رفع الإنتاجية الزراعية، وبالتالي تخفيض تكلفة الإنتاج في القطاع الزراعي، الشيء الذي يؤدي إلى توسع الصادرات وبالتالي زيادة حصيلة النقد الأجنبي، على أن لا يعتمد التصدير الفلاحي على منتوج واحد أو عدد قليل من المنتوجات، بل يجب تنويع صادرات المنتوجات الزراعية حتى يمكنها أن تلعب دورا فعالا في توفير النقد الأجنبي، وبالتالي تساهم مساهمة فعالة في تمويل المشاريع التنموية.