أهمية القطاع الزراعي في الجزائر


يحتل القطاع الزراعي في الجزائر مركزا مهما في البنيان الاقتصادي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وبالرغم من الأهمية الملموسة لهذا القطاع، فإن القصور الذي اتسم به دور هذا القطاع يظهر جليا من خلال مساهمته المتواضعة في الناتج المحلي الإجمالي. وتسعى السياسات الزراعية المتبعة إلى تحقيق نسبة عالية من الأمن الغذائي، بل أنها تتوقع الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بالنسبة لأغلب السلع الغذائية، والسعي إلى تحقيق فائض للتصدير في بعض منها؛ غير أن ذلك لم يحدث، لاعتبارات متعددة.

ويسود الاقتناع لدى المهتمين بميدان الزراعة على ضرورة تنمية القطاع الزراعي بما يضمن له إمكانيات المنافسة العالمية، والقدرة على النهوض بقطاع التصنيع الزراعي، والذي يعد النهوض به وزيادة قدرته التنافسية العالمية من أهم متطلبات استمرار النمو بالنسبة للقطاع الزراعي. وتتحدد تنمية القطاع الزراعي في توفير المدخلات البشرية والمادية بأسعار اقتصادية ملائمة لقطاع التصنيع الزراعي، كما أنها تعني رفع مستوى الدخل بالقطاع الزراعي بما يؤدي إلى زيادة الطلب على مخرجات قطاع التصنيع الزراعي، بل وخلق مزيد من الطلب على مدخلات ومخرجات القطاع الزراعي ذاته.

ومن ناحية أخرى فإن النهوض بقطاع التصنيع الزراعي يعني مزيدا من الطلب على مخرجات القطاع الزراعي ومزيدا من الطلب على منتجاته ومزيدا من الطلب للتصدير ومزيدا من رفع مستوى الدخل في القطاع، هذا علاوة على استمرار نمو الطلب العالمي على القطاعين كنتيجة طبيعية لنموهما . غير أن القطاع الزراعي قد واجه العديد من المشاكل والصعوبات الموروثة على فترة الاستعمار، لا مجال لذكرها ضمن هذا البحث المحدد زمنيا. أما في المراحل اللاحقة فلعل جانبا هاما من مشكلة القطاع الزراعي في الجزائر والدول النامية عموما، يتمثل بصفة عامة في وقوعه ضحية السياسات المتبعة منذ بداية مخططات التنمية باعتمادها الكامل )والخاطئ( على إستراتيجية التصنيع كأساس للتنمية، بإتباع نهج إستراتيجية التنمية غير المتوازنة التي تولي قطاع المحرقات وبعض  فروع الصناعة الثقيلة أهمية قصوى وإهمال القطاعات الأخرى، خصوصا تلك المرتبطة بالاستهلاك الجماهيري الواسع، كالقطاع الفلاحي والصناعات الغذائية.

وكما هو معروف فقد استلهمت هذه الإستراتيجية أسسها من أفكار “دي بيرنيس” ببناء قاعدة صناعية قوية، ومن جهة أخرى الاعتماد في مجال الزراعة خصوصا على أفكار “آرثر لويس” التي تتلخص في ضرورة الإبقاء على الدخل الزراعي في مستوى أجر الكفاف، وأن يكون هذا الدخل دائما أقل من الدخل الحقيقي في القطاع الصناعي، بما يؤدي إلى تحويل عنصري العمل ورأس المال من القطاع الزراعي إلى القطاع الصناعي دون أن ينخفض الناتج المتوسط بالقطاع الزراعي. ولما كانت هذه الفكرة ومثيلاتها تقوم على افتراض وجود فائض عرض لعنصر العمل عند أجر الكفاف، أي أن إنتاجية العامل في القطاع الزراعي سالبة أو مساوية للصفر، فإنه من المنتظر أن يتم هذا التحويل لعنصري العمل ورأس المال من القطاع الزراعي إلى القطاع الصناعي دون أن ينخفض الإنتاج الزراعي.

ويؤكد آرثر لويس في هذا السياق، على أن استمرار القطاع الزراعي في إمداد القطاع الصناعي بالعمل ورأس المال يتطلب بقاء الفارق بين الأجر المرتفع بالقطاع الصناعي وأجر الكفاف بالقطاع الزراعي. ويضيف بأن أية زيادة في الأسعار والقوة الشرائية للمزارعين وعمال الفلاحة لا ينبغي اعتبارها حافزا بقدر ما تعد معوقا للتصنيع، وذلك لأن الارتفاع عن أجر الكفاف بالقطاع الزراعي سوف يتطلب رفع الأجر الحقيقي بالقطاع الصناعي، حرصا على استمرار فارق الدخل بين القطاعين لصالح الصناعة؛ وهو ما يعني انخفاض الفائض الرأسمالي ومعدل تراكم رأس المال بالقطاع الصناعي.

ويبدو العمل (عن قصد أو دون قصد) وفقا لهذا الطرح على المستوى الرسمي، حيث أن السياسات المالية والسعرية المتعاقبة المنتهجة من طرف الدولة تسير في هذا الاتجاه.