اختراق الشبكة يطفئ الأنوار


نجحت فيروسات حاسوبية في تعطيل منظومات تحكم صناعي معززة. وقد تكون شبكة توليد الطاقة الكهربائية هي الهدف التالي

تعمل الشبكة الكهربائية الحديثة – بجميع أجزائها – بتحكم حاسوبي, وهي تمثل لنا أكبر مثال لبنية أساسية مادية ترتبط بالالكترونيات.
دلل الفيروس ستكسنت Stuxnet, الذي ضرب برنامج إيران النووي, علي مدي انكشاف الالآت لخطر اختراقها من فيروس إلكتروني محكم الصُنع.
للشبكة الكهربائية نصيب في كثير من الثغرات ونقاط الضعف التي كشفها الفيروس ستكسنت؛ فإن كبر حجمها
في عام 2010 سرت معلومات عن فيروس حاسوبي تمكن من التسرب إلى داخل منشآت التخصيب النووي الإيرانية المعروفة بإجراءاتها الأمنية المشددة. وإذ إن معظم الفيروسات تتضاعف وتنتشر من غير إحداث ضرر يذكر، فقد كان للفيروس المسمى ستكسنت Stuxnet هدف محدد يسعى إليه – هدف لا علاقة له بالإنترنت. ذلك أن هذا الفيروس زرع على ذراع وصلة تسلسلية عالمية (1) (USB)، سلمت إلى عامل فني غافل لم تساوره أية ريبة، نقام بوصلها بأحد حواسيب منشأة مصونة. وبمجرد دخول الفيروس بدأ بالانتشار بصمت وعلى مدى شهور، باحثا عن حاسوب موصول بآلة عادية تتمثل في متحكم منطقي قابل للبرمجةProgrammable controller, وهو مجموعة أجهزة إلكترونية ميكروية (صغرية) microelectronicsمخصومة الغرض، تتحكم عموما في مفاصل الصناعة – من صمامات وتروس ومسننات ومحركات ومفاتيح كهربائية. وما أن تعرف الفيروس ستكسنت فريسته حتى اندس فيها خلسة واستحوذ عليها.

 

113

 

اختراق الشبكة كانت المتحكماتcontroller المستهدفة مرتبطة بأجهزة الطرد المركزيcentrifuge، في صميم مطامح إيران النووية. وثمة ما يقتضي استعمال آلاف من أجهزة الطرد هذه لمعالجة خام اليورانيوم، بغية تحويله إلى يورانيوم عالي التخصيب، اللازم لإنتاج سلاح نووي. وفي شروط التشغيل المعتادة، تدور أجهزة الطرد المركزي بسرعة هائلة تدوم معهد حافاتها الخارجية بما يداني سرعة الصوت. ووفقا لما ورد في تقرير لمعهد العلوم والأمن الدولي (2)، صد رفي الشهر 12/ 2010, فإن الفيروس ستكسنت استطاع رفع هذه السرعة إلى زهاء 1000 ميل في الساعة، فوق النقطة التي يصبح من المرجح عندما تطاير القلب الدوارrotor وتناثره. وفي الوقت نفسه بث الفيروس إشارات كاذبة لمنظومات التحكم توحي بأن الأمور تسير سيرا طبيعياً. ومع أن جملة الخسائر التي حاقت ببرنامج إيران النووي لم تتضح أبعادها بعد، فقد أشار التقرير إلى أنه تعين على إيراق استبدال نحو 1000 جهاز طرد مركزي، موجودة في منشأة ناتانز Natanz للتخصيب في أواخر عام 2009 أو مطلع عام 2010.

اختراق الشبكة ويظهر الفيروس ستكسنت مدى انكشاف الآلات الصناعية العامة على خطر وقوع هجوم إلكتروني عليها: فالفيروس استهدف وأتلف ما يفترض أنه تجهيزات حصينة، في حين ظل عصيا على الاكتشاف شهورا عديدة. وهو بذلك يقدم توصيفا متشائما لأسلوب دولة مارقة أو جماعة إرهابية في استغلال تقانة مشابهة لضرب بنية أساسية مدنية حيوية في أي مكان من العالم.

اختراق الشبكة ومن سوء الطالع أن يكون السطو على شبكة توليد الطاقة الكهربائية أسهل منه على أي منشأة تخصيب نووي. إننا قد ننظر إلى الشبكة على أنها دارة واحدة عملاقة، ولكنها في الحقيقة مؤلفة من آلاف المكونات التي تتباعد مئات الأميال، وتحمل بتناسق سديد لا يتخلف. ويجب أن تكون طاقة الإمداد المتدفقة في أوصال الشبكة متوافقة في صعودها وهبوطها توافقا تاما مع الطلب عليها، وأن تقوم المولدات بتوزيع طاقتها بتناسق دقيق مع نبضة الـ 60 دورة في الثانية، التي يعمل على إيقاعها سائر الشبكة. ولئن كان تعطل أي مكون بمفرده ستترتب عليه تداعيات محدودة على هذه الدارة العملاقة، فإن هجوما سيبرانيا cyberattack (في فضاء الشبكات) منسقا يشن على نقاط متعددةMultiple points من الشبكة حري بإلحاق أذى واسع النطاق بالتجهيزات قد يعرض قدرة بلادنا على توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها لخطر شديد على مدى أسابيع – بل ربما شهور.