الحصول على عدة إلكترونات من فوتونٍ وحيد باستخدام الغرافين


فوتونٍ وحيد باستخدام الغرافين

فوتونٍ وحيد باستخدام الغرافين هل سمعتم بالـ “غرافين Graphene” ؟ هذه المادة الرائعة، هي أحد الأشكال الأساسية للبنى الكربونية في الطبيعة، أي أنها مبنية من ذرات الكربون، وهي تأخذ شكل صفائح كربونية متوضعة فوق بعضها البعض. تتمتع بالغرافين بأعلى ناقلية إلكترونية للتيار الكهربائي مكتشفة حتى الآن، كما أنها تتمتع بأعلى درجة قساوة طبيعية، متفوقةً بذلك على الألماس، وقد سبب اكتشاف هذه المادة في عام 2004 فوز مكتشفيها بجائزة نوبل.

 
ومنذ اكتشافها، أصبحت هذه المادة السحرية الشغل الشاغل للعلماء والباحثين المختصين بمجال التقانة النانوية وعلوم المواد، وتم نشر العديد من الأبحاث العلمية التي توضح دورها وأهميتها في العديد من التطبيقات: تحسين كفاءة الخلايا الشمسية، تطوير المواد المستخدمة في التطبيقات الحيوية، تطوير ترانزستورات جديدة، وحتى في مجال الحوسبة الكمومية ومجال الحوسبة الضوئية الناشئ.
الغرافين عبارة عن بنى كربونية ثنائية الأبعاد، تتشكل من ارتباط ذرات الكربون مع بعضها البعض بأشكالٍ سداسية. يمتلك الغرافين أعلى ناقلية إلكترونية، كما يمتلك أعلى قيمة قساوة لمادة معروفة حتى الآن.

 

فوتونٍ

 

 

واليوم، أعلن مجموعة من الباحثين في المعهد التّقني الفدرالي في لوزان (EPFL)، بسويسرا، عن تسجيلهم لإنجازٍ جديد يحدث للمرة الأولى: الحصول على عدة إلكترونات من فوتونٍ واحد، باستخدام مادة الغرافين وذلك ضمن جهاز كهرضوئي. مثل هكذا اكتشاف، من شأنه أن يُعزز الآمال المُتعلقة باستخدام الغرافين كمادةٍ أساسية في الأجهزة الكهروضوئية، حيث سيُصبح بالإمكان الحصول على كفاءةٍ مُرتفعة لتّحويل الطاقة، أي تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقةٍ كهربائية.
تم بناء هذا الاكتشاف الجديد على بحثٍ تم نشره العام الماضي من قبل باحثين في معهد برشلونة للعلوم الضوئية ICFO. ما قام به العلماء في برشلونة، هو إظهار أنه يُمكن للغرافين تحويل فوتون واحد إلى عدة إلكترونات بطريقةٍ غير مباشرة. في البحث الجديد، قام الباحثون بتّحفيز الغَرافين عبر تعريضه لفوتوناتٍ من طاقاتٍ مُختلفة (أي لها أطوال موجية مختلفة)، ثم قاموا باستخدام نبضاتٍ إشعاعية عالية التردد (من مرتبة التيراهرتز) من أجل قياس التّوزع الإلكتروني الحار Hot-Electron-Distribution. ما أسفرت عنه هذه التجربة هو أن العُلماء تمكّنوا من تحديد وجود طاقاتٍ ضوئية مُرتفعة (تتبع لمجال الأشعة البنفسجية) في عددٍ أكبر من التّوزعات الإلكترونية، وذلك أكثر من الطاقات الضوئية المُنخفضة (تتبع لمجال الأشعة تحت الحمراء).
خلال البحث الجديد، كان على الباحثين أن يبتكروا طريقةً من أجل قياس عملية التّحويل، والتي تحدث خلال فاصلٍ زمنيّ من رُتبة الـ “فمتو ثانية” (أي 10^-15 من الثانية، أو جزء من المليون من المليار من الثانية). تمكّن الباحثون من تطوير طريقةٍ جديدة أسرع من أية طريقةٍ أخرى تم ابتكارها سابقاً من أجل الكشف عن حركة الإلكترونات.
قام الفريق باستخدام تقنيةٍ جديدة تُدعى trARPES: Ultrafast time-and angle-Resolved Photoemission Spectroscopy، وقد تم نشره نتائج بحثهم في مجلة NanoLetters.

تم وضع الغرافين ضمن حجرةٍ شديدة التّخلية من الهواء، وثم تم تعريض الغرافين لنبضاتٍ من ليزر ضوئي. قام الليزر بتّحفيز الإلكترونات ضمن الغرافين مما جعلها تنتقل إلى سويةٍ طاقية أعلى. عند انتقال الإلكترونات إلى السوية الطاقية الأعلى، تم تعريض الغرافين لنبضات مسح والتي تقوم بوظيفة أخذ لقطات تساهم بمعرفة الطاقة التي يمتلكها كل إلكترون بتلك اللحظة. عبر تكرار هذه العملية مراتٍ عديدة، تمكّن الباحثون من تكوين ما يُشبه الفيلم الذي يمكن إيقافه ومشاهدته، بحيث يمكنهم مشاهدة العملية والتوقف عند أي لحظةٍ زمنية مُعينة.
يقول ماركو غريوني الباحث في EPFL :” يُشير هذا الأمر إلى أن الأجهزة الكهروضوئية المَبنية على الغرافين المُشاب يمكنها أن تُظهر كفاءة عالية في عملية تحويل الضّوء إلى كهرباء “.
وعلى الرّغم أن المواد النانوية المُستخدمة بمجال الأجهزة الكهروضوئية قد حملت آمالاً ووعوداً كبيرة حول قدرتها على تحويل فوتونٍ وحيد إلى إلكتروناتٍ مُتعددة وذلك منذ عام 2004، إلا أن العديد من الأشخاص قد شككوا حول إمكانية تطبيق هذه القُدرات بشكلٍ فعلي وعملي من أجل رفع كفاءة توليد الطاقة.
وفي عام 2011، قام “ايران راباني” الباحث بجامعة تل أبيب، بنشر بحثٍ علمي شكّك فيه بالأبحاث المُتعلقة بمضاعفة عدد الإلكترونات بدءاً من فوتونٍ وحيد، وهو يقول :” تُظهر نظريتنا أن التّوقعات المتعلقة بزيادة كفاءة الطاقة لن تستطيع العمل. لا يمكن تحقيق زيادة في كفاءة الطاقة اعتماداً على التّحفيز المتعدد، وهي العملية التي سينتج عنها عدة حوامل شحنات (الإلكترونات والثقوب) بدءاً من فوتونٍ وحيد “.
بسبب هذه الشكوك المُتعلقة بموضوع زيادة كفاءة توليد الطاقة اعتماداً على عملية التّحفيز المُتعدد Multiple Excitation، تم تكريس طاقة كبيرة من أجل قياس عملية توليد إلكتروناتٍ متعددة بدءاً من فوتونٍ وحيد.
ولكن، إذا كان التوليد المتعدد للإلكترونات بدءاً من فوتونٍ وحيد سيساهم بتعزيز كفاءة تحويل الطاقة من 32% إلى 60%، فإن إثبات هذه الظاهرة وبذل الجهد من أجلها سيستحق ذلك بالتأكيد.