الـــتــشــعــيــع


التشعيع irradiation

الـــتــشــعــيــع هو تعريض مادة (أو كائن حي) لفيض من الأشعة المُؤَيِّنة بهدف تغيير خواصها. وتنجز عمليات التشعيع لأغراض متعددة منها: العلاج أو التعقيم أو تحسين مواصفات المواد والبوليمرات أو إجراء تفاعلات…..
بدأت دراسات تأثير الأشعة المؤينة على المادة منذ اكتشاف الأشعة السينية والإشعاع النووي الناشط في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن لم تنتشر تطبيقات التشعيع حتى النصف الثاني من القرن العشرين بعد تطوير المفاعلات النووية ومسرعات الجسيمات وتراكم كمية كبيرة من المنابع الإشعاعية.
تشمل الأشعة المُؤَيِّنَة جسيمات الطاقة (إلكترونات، بروتونات، جسيمات ألفا، نترونات، أيونات مسرعة) والأشعة الكهرمغناطيسية عالية الطاقة (مثل أشعة غاما) التي تملك جميعها طاقة أكبر بكثير من كمونات التأين ionization potentialللعناصر الكيميائية. تتفاعل هذه الأشعة مع المادة بآليات مختلفة ترتبط بطبيعة الإشعاع وطاقته وطبيعة المادة وحالتها مسببة تغيرات في المتحولات الفيزيائية وفي الحالة (طاقة، مناحٍ..) وفي ذرات المادة وجزيئاتها محرضة تفاعلات كيميائية أو تفاعلات نووية…، لا يمكن تحقيقها في الشروط العادية، ومن ثم تسبب تغيرات في الخواص الكيميائية للمادة، إضافة إلى تغير الخواص الفيزيائية والميكانيكية الناتجة عن التأثيرات المباشرة أو غير المباشرة للإشعاع.

الجرعة الإشعاعية والمردود الإشعاعي

1ـ الجرعة الإشعاعية:

تعتمد التأثيرات الإشعاعية على تركيب المادة وحالتها وعلى الطاقة الإشعاعية الممنوحة لها، وتعتمد الطاقة الممنوحة والممتصة أيضاً على نوع الإشعاع وطاقته، لذلك تصنف الأشعة إلى نوعين هما:
ـ الأشعـة المُؤَيِّنـَة بشكل مباشر، وتشمل الجسيمات المشحونـة كلها (إلكترون، بروتون، ألفا…..)
ـ الأشعـة المُؤَيِّنَة بشكـل غير مباشر، وتشمل الأشعـة الكهرمغنطيسيـة (الأشعة السينية، أشعة غاما) التي تعامل معاملة الفوتونات والنترونات.
تدعى كمية الطاقة الإشعاعية الممتصة في وحدة الكتل من المادة المشععة «الجرعة الإشعاعية» الممتصة وتقدر بوحدة الغراي (1Gy=1Jkg-1 ) Gray وهناك وحدة قديمة تدعى الراد (1Rad=100ergg- 1)Rad، ويكون 1 غراي =100 راد.
تتوزع طاقة الجسيمات المشحونة على طول مسار الجسيم (أثر track) مؤدية إلى إثارة الذرات والجزيئات المجاورة وتأيينها، ويدعى فقد الطاقة في وحدة طول المسار المجتاز في الوسط مقدرة الإيقاف stopping power التي تتعلق بالأشعة وبطبيعة المادة، وهي تختلف عن الطاقة الممتصة فعلياً في المادة بما تخسره الإشعاعات بأشكال أخرى غير الامتصاص. أما عندما يمتص فوتـون طاقتـه E يصرف جزءاً من هـذه الطاقـة في التأيين وجزءاً علـى شكـل طاقـة حركيـة للأيونات المتولدة.

 

لكن تبقى مسافة اختراق الفوتونات في المادة أكبر بكثير من مسافة اختراق الجسيمات المشحونة (المسار أطول)، ومن ثم تكون كثافة الشحنة أقل بكثير. ويدخل معامل توهين الأشعة الكهرمغنطيسية m في العلاقة I=I0e-µx التي تعطي شدة الأشعة بعد عبورها مادة ثخانتها x بدلالة شدة الأشعة الواردة I0.

2ـ المردود الإشعاعي:

تظهر التأثيرات الكيميائية للإشعاع بأشكال عدة مثل التفكك أو إنتاج مركبات جديدة أو أكسدة أو إرجاع أو هدرجة أو بلمرة أو غيرها، وللتعبير عن هذه التغيرات يدخل مفهوم جديد هو المردود الإشعاعي أو ما يعرف بقيمة(G-Value) G- ويعرف بأنه عدد الجزيئات (أيونات أو جذور حرة أو ذرات….) المتفككة أو المتشكلة في جملة ما نتيجة امتصاص طاقة إشعاعية مقدارها 100 إلكترون فولت[ر]. وقد تتأثر قيمة G- بمقدار الجرعة وبفترة التشعيع. لذلك تحدد قيمةG بالقياسات الكيميائية المعروفة في طرق التحليل الكيميائي[ر] شريطة أن يكون التغير المقيس مستقلاً عن معدل الجرعة.

المراحل الرئيسية في أثناء التشعيع

تبدأ عملية التشعيع بامتصاص الطاقة الإشعاعية، وتنتهي عندما تتوازن الجملة ترموديناميكياً ويحصل بين هاتين العمليتين عدد من العمليات المتعاقبة والمتواقتة، توزع في ثلاث مراحل أساسية هي:
ـ المرحلـة الفيزيائيـة (مرحلة امتصاص الطاقة الإشعاعية في المادة).
ـ المرحلة الفيزيائية الكيميائية (مرحلة انتقال الطاقة بين النواتج الوسطية).
ـ المرحلة الكيميائية (مرحلة إعادة التوازن الكيميائي).
ويبقى هناك تداخل بين هذه المراحل من ناحيتي الزمن والعمليات الجارية.

الـــتــشــعــيــع
1ـ المرحلة الفيزيائية: تبدأ هذه المرحلة بامتصاص الطاقة الإشعاعية وتستمر نحو 10-14 ثانية. تتوزع طاقة الإشعاع الممتصة أثناء تفاعل الإشعاع مع إلكترونات المادة بين عدد من مكونات الوسط، وتقوم الإلكترونات الثانويـة (أشعـة دلتا) بتأيين وإثـارة جزيئات وذرات الوسط بجـوار مسار الإشعاع، وتكون الكثافة الأيونية المتولدة متناسبة طرداً مع مربع شحنة الجسيم ومع كتلته وبالنسبة لنفس نوع الأشعة تكون متناسبة عكساً مع طاقة الإشعاع. ويمكن أيضاً أن تتحول في هذه المرحلة بعض الجزيئات المثارة إلى أيونات أو جذور حرة.
2ـ المرحلة الفيزيائية الكيميائية: تحتوي الجملة المشععة عند نهاية المرحلة الفيزيائية على أيونات وإلكترونات وجزيئات مثارة نتيجة الفعل المباشر للإشعاع بالإضافة إلى بعض الجذور الحرة نتيجة الإنتشار السريع للطاقة. تبدأ المرحلة الفيزيائية الكيميائية بانتشار هذه الأنواع طاقياً إذ تفقد طاقتها الحركية خلال سلسلة من التصادمات مع الجزيئات والذرات المحيطة، ويحصل في نهاية هذه المرحلة التي تدوم نحو 10-12 ثانية (وقد تصل إلى 10-9 ثانية)، إعادة توزع طاقة التوازن على درجات الحرية الانتقالية، تترافق عملية التوازن الحراري بتحولات قد تغير الشحنة والحالة الكيميائية للأنواع المتشكلة. تجري في هذه المرحلة أيضاً عمليات إعادة ضم إلكترون إلى أيون لتوليد جزيء مثار، وتتأثر هذه العمليات أيضاً بزمن الاسترخاء ومعاملات الانتشار وخواص المادة الأخرى. وقد تعود بعض الجزيئات المثارة بإصدار فوتونات (تألق) وخاصة بعمليات فلورة[ر].

 
3ـ المرحلة الكيميائية: عند نهاية المرحلة الفيزيائية الكيميائية تكون جميع المكونات قد وصلت إلى مرحلة التوازن الحراري، ولكن الجملة تكون غير محققة للتوازن الترموديناميكي الكامل، وتشمل هذه المرحلة العمليات الجارية بعد الوصول إلى التوازن الحراري حتى نهاية التفاعلات الكيميائية، وتمتد عموماً من نحو 10-10 ثانية إلى بضع دقائق (وقد تمتد إلى أكثر من ذلك في بعض الحالات). تتفاعل في هذه المرحلة المكونات الوسط المتولدة عن انتشار الطاقة مع بعضها ومع جزيئات الوسط لتشكيل مركبات كيميائية مستقرة. تختلف التفاعلات الكيميائية الإشعاعية عن التفاعلات الكيميائية الحرارية أو الضوئية بوجود تنوع كبير في المركبات الوسطية المتشكلة خلال المرحلتين الفيزيائية والفيزيائية الكيميائية التي يبقى جزء يسيرٌ منها نشطاً خلال المرحلة الكيميائية مما يؤدي إلى تشكل النواتج النهائية عن طريق عمليات تنافسية معقدة. وكذلك يكون التوزع الموضعي للمكونات الوسطية المتشكلة عن تأثير الإشعاع المؤين غير متجانس على المستوى الميكروي في الجملة مما يجعل من الصعب وضع آليات محددة للتفاعلات الجارية، وتكون عمليات المرحلة الكيميائية عادة سريعة، إذ يعاد التوازن الكيميائي للجملة في جزء صغير من الثانية، ولكن قد تحدث بعض التفاعلات البطيئة والتي قد تمتد ساعات أو حتى أشهر مثل تفاعل الجذور الحرة الملتقطة في الجمل الصلبة أو تفكك الماء الأكسجيني المتشكل عن تشعيع المحاليل المائية.