المحاصيل الشرهة للماء : لم تعتبر ضارة بالبيئة ؟


المحاصيل الشرهة للماء هي تلك المحاصيل و المزروعات التي تتطلب قدرا هائلا من المياه أثناء الزراعة لتتمكن من النمو والازدهار. من أمثلة هذه المزروعات، نبات القطن. فهذا النبات من العناصر الأساسية في صناعة الملابس التي ترتديها الآن أو الملاءات التي تضعها على سريرك أو غيرها الكثير من الصناعات القطنية. لكن مشكلة هذا النبات الهام هي أنه في سبيل إنتاج كيلو جرام واحد من هذه الزرعة، ستحتاج إلى 20,000 لتر من الماء !! كيلو جرام من القطن يمكنه تصنيع قميص واحد أو بنطال واحد ! أي أنه في سبيل الحصول على القميص الذي ترتديه الآن تم استهلاك 20,000 لتر من الماء فقط لكي يصبح على هذه الحال ! ولكن .. نبات كالقطن مثلا، المسئول عن الكثير والكثير من صناعات الملابس، وتعتبر هذه هي الشروط اللازمة له لينمو، كيف إذا يكون نباتا هاما كهذا له ضرره على البيئة ؟! وإذا كان ضرره عاليا جدا، فهل يجب علينا أن نكف عن إنتاج المحاصيل الشرهة للماء ؟! ولكن، إذا كانت هذه هي متطلبات زرع هذه النباتات منذ الأزل، لماذا لم تنشأ المشكلة سوى الآن مثلا ؟! كل هذه أسئلة تداعب العقل وتجعله يتساءل ويحاول أن يصل إلى إجابة لها. هذا المقال سيكون نافذة صغيرة جدا في محاولة الإجابة على هذه الأسئلة وتحقيق بعض الفهم الذي ترجوه عقولنا.

 

 

download-1

 

 

ما هي المحاصيل الشرهة للماء وكيف تتسبب في إهدار الموارد؟

1المحاصيل الشرهة للماء

كما أوردنا بالأعلى، القطن هو نوع من أنواع المحاصيل الشرهة للماء ، وعرفنا الكمية الهائلة التي نحتاجها لإنتاج كمية صغيرة جدا منه. ما هي أمثلة الأنواع الأخرى من هذه المحاصيل الشرهة للماء ؟

2الأرز

نصف سكان العالم قريبا يعتمدون في وجبتهم الغذائية على الأرز تقريبا. وفي سبيل إنتاج كيلو جرام واحد من هذا المحصول، يتم استهلاك من 3,000 إلى 5,000 لتر ماء.

3السكر

سواء كان السكر قادما من نبات قصب السكر أو نبات البنجر، وكلاهما من المحاصيل الشرهة للماء ، فإننا نتعامل مع السكر على أساس يومي ولا نتساءل عن الطريقة التي أتت بها هذه الملعقة الصغيرة من السكر التي نضعها على كوب الشاي. كم من الماء تظنون يتم استهلاكه لإنتاج كيلو جرام من السكر بصورته النهائية هذه ؟ يتم استهلاك 2 طن من الماء في سبيل إنتاج كيلو جرام واحد من السكر المعالج في هيئته النهائية التي تراها عليها في منزلك !!

4اللوز

يعتبر اللوز من المحاصيل الشرهة للماء بشدة، فعلى سبيل المثال فقط، يذهب 10 % من المياه المخصصة للزراعة في الولايات المتحدة إلى زراعة اللوز فقط !

5العنب

تلك الفاكهة اللذيذة ذات الألوان المختلفة، وعنقود العنب الصغير الذي تأكله بنهم في دقيقة واحدة، يتم استهلاك 116 لتر من المياه في سبيل إنتاج ذلك العنقود الصغير !

6الذرة

ليس المقصود بالذرة هنا علبة الفوشار التي تأخذها معك وأنت في طريقك إلى السينما. ولكن المقصود بها هنا هو كل أنواع الذرة المختلفة بما يتضمنه الطعام المخصص للماشية. يتم استهلاك 2,400,000 لتر من المياه لإرواء مساحة 4,000 متر مربع فقط.

هذه الأمثلة على مثال العد لا الحصر، فيوجد هناك أيضا القهوة والشوكولا اللذان ندمنهما بشدة. هذه المحاصيل الشرهة للماء تعتبر من المصادر الأساسية في الغذاء والصناعة. كيف إذا من الإمكان أن تكون هذه المحاصيل الهامة جدا، لها تأثيرها الضار على البيئة ؟!

7أزمة المياه

لعل المشكلة الأولى الكامنة في المحاصيل الشرهة للماء ، هي احتياجها الشره للماء ! – حسنا، بعد كتابة هذا السطر، بدا هذا الأمر جليا ليحتاج إلى توضيح كما أعتقد، لذا أعتذر 😀 – إذا، المشكلة ليست في المحاصيل الشرهة للماء نفسها، ولكن فيما تحتاجه هذه المحاصيل لكي تنمو، وهي تلك الكمية الهائلة من الماء. وتعتبر هذه مشكلة كبيرة للبيئة “الآن” وليس منذ ألف سنة مثلا، بسبب أزمة المياه التي نحن بصددها الآن !

إننا بحاجة ماسة إلى المياه من أجل كافة أغراض حياتنا، مثل الشرب والأكل والغسيل والنظافة الشخصية، وتقريبا كل المنتجات المستهلكة في حياتنا. لكن في الحقيقة، والحقيقة المرة جدا، هي في التقرير الذي أصدره بنك المياه حول حالة المياه في العالم الحالية، فأورد أن حوالي 80 دولة حول العالم لديها نقص شديد في المياه. وهذا النقص يُقصد به أن كمية المياه الموجودة بهذه البلاد، لا يستطيع تلبية مطالب الفرد الواحد في هذه الدول ! كما أورد أيضا أن حوالي 2 بليون فرد ليس لديهم أيه سبيل للحصول على ماء صالح للاستخدام الآدمي. ما السبب إذا في أزمة المياه هذه ؟

8الزيادة السكانية

في القرون السابقة، كانت كمية المياه الموجودة في كل دولة تتوزع بنسب مختلفة بين احتياجات الدولة المختلفة. فمثلا، في الدول النامية، كانت المياه تتوزع بنسب 90 % للزراعة، 5 % للصناعة و 5 % للاحتياجات الفردية. أما في حالة الدول المتطورة، فكانت نسبة توزيع المياه لديها كالتالي، 45 % للزراعة، 45 % للصناعة و 10 % للاحتياجات الفردية. لن نتحدث حول تأثير هذه النسب على حالة كل دولة، ولكن دعونا نصل إلى الاستنتاج بان هذه النسب كانت تعطي المساحة من أجل الزراعة، بما تحتويه من المحاصيل الشرهة للماء ، جنبا بجنب إلى ما تهدف هذه الدولة لإنجازاتها الصناعية وأيضا دون أن تؤثر على احتياجات الفرد للماء.

ما حدث في القرن الماضي هو أن عدد الأفراد في هذه الدول قد تضاعف عددا ! وفي بعض الدول الأخرى قد وصل إلى ثلاثة أضعاف العدد الموجود في القرن الماضي. ولكن المشكلة هي أن الإمدادات المائية لم تتغير ! إذا، المشكلة التي نشئت من هذا الازدياد السكاني في مقابل ثبات الموارد المائية، كانت نتيجته الاحتياج إلى تغيير نسب توزيع المياه مرة أخرى، وأصبح أمرا حتميا أن تزيد النسبة الخاصة بالاحتياجات الفردية على النسب الأخرى. ففي النهاية، كطبيعتنا البشرية الأنانية، نحن من بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة عندما يتعلق الأمر بنا أمام أي شئ آخر.

9إساءة استخدام الأفراد للمياه

لا يتوقف الأمر عند مجرد الزيادة السكانية العالمية، ولكن أيضا في الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع المياه الموجودة حولهم. فبالرغم من وجود 2 بليون شخص لا يمكنهم الحصول على ماء صالح للاستخدام، يوجد هناك 5.5 بليون فرد لا يتعامل معظمهم بحكمة مع الهبة التي لا يقدّرون قيمتها لمجرد أنهم وُلدوا ووجدوها موجودة عندهم.

على سبيل المثال لا الحصر، أنت عزيزي القارئ، كيف تتعامل مع رفاهية المياه النظيفة التي لا تتوفر من أجل 2 بليون شخص غيرك ؟ هل تستعمل مياها على قدر احتياجاتك فقط ؟ وهل تحاول أن تقلل احتياجك إلى الماء من الأساس ؟ هل تحاول الاستفادة من المياه الفائضة غير المستعملة، أم فقط ترميها في الصرف الصحي حيث لن تفيد أحدا هناك ؟ هل تقدر هذه النعمة التي وجدتها بسهولة لا تتأتّى لغيرك ؟!

ربما لا نولي هذا الموضوع الاهتمام الكافي، وربما لا نشعر أصلا إذا ما كنا نسرف في الماء أم لا. لكن هذا لم يحدث إلا لمجرد أننا تعاملنا مع هبة الماء بأنها أمر مُسَلّم به. وأن هذه خدمة واجبة على الحكومة أن توفرها لنا. وربما لا نحاول التفكير في أنه ذات يوم لن تتمكن الحكومات من توفيرها لنا، ولن نتمكن نحن أيضا من حتى محاولة الاعتراض ! لكن كيف ذلك ؟! كيف وصلنا إلى هذه الطريقة في التفكير ؟! إن هذه الأرض التي نعيش عليها، موجودة بهذه الطريقة منذ بدء الخليقة. نسب المياه وهواء والأشياء من حولنا ثابتة منذ البداية، وإنما نحن المتغير الوحيد في كل هذه الأشياء. وحتى نتوصل إلى طريقة نستطيع بها خلق الأشياء من العدم، لا يحق لنا أن نتعامل مع أي شئ بأنه مُسَلّم به. وإساءة استخدامنا اليوم لن يدفع ثمنها أحدا غيرنا غدا. وإذا تمكنا من اللحاق بقطار الموت قبل حدوث هذا، فسيدفع ثمنه أبناءنا وهؤلاء القادمين من بعدنا. وبالعودة إلى موضوعنا الأول عن المحاصيل الشرهة للماء ، وبالمثال البسيط عن محصول القطن، سنجد أننا قد نضطر ذات يوم للتضحية بمصدر هام من الصناعة إلينا، من أجل استهتارنا بالنعم المحيطة بنا !