العمارة الإسلامية
العمارة الإسلامية

متحف آيا صوفيا .. الطراز المعماري الفـريـد


متحف آيا صوفيا .. الطراز المعماري الفـريـد

ارتبطت اسطنبول بشخصيات تاريخية مختلفة لدورها المتميز عبر قرون، ولكنها ترتبط في أذهان الجميع ببناء شهير شامخ في سمائها، أصبح شعارا لها ولتركيا، سواء منذ الدولة العثمانية أو تركيا العلمانية.

المسجد أو المتحف كما هو حاله اليوم
الحديث هنا عن متحف آيا صوفيا، الذي كان في الأصل كنيسة بيزنطية، ثم تحول إلى مسجد، قبل أن يتحول إلى متحف في عهد أتاتورك.

معلومات أساسية :
* تم بناء آيا صوفيا بين عامي 532 و 537 م. كأكبر كنيسة في شرق الإمبراطورية الرومانية تحت اسم “القديسة صوفيا”.
* كان البناء يعد من عجائب الدنيا القديمة لأنه كان الأول الذي يضم قبة مفرغة لا يوجد في وسطها أعمدة.
* حولها السلطان محمد الفاتح الثاني إلى مسجد عام 1453 م.
* تحولت عام 1934م في عهد اتاتورك إلى متحف.

هذا البناء الضخم الذي عاصر احداثا تاريخية عظيمة، لم يكن بناؤه على ما يبدو تصميما عشوائيا، بل تم بحسابات دقيقة للغاية اثارت اعجاب كل المشتغلين في علوم العمارة والهندسة، وكان محل دراسة أساتذة العمارة السويسريين بالتعاون مع إدارة متحف آيا صوفيا في اسطنبول والقسم المعماري في متحف برلين وخبراء إيطاليين وأتراك، في عمل جمع بينهم لفهم سر بناء وتصميم آيا صوفيا.

وقد أقام معهد تاريخ العمارة ونظرياتها، التابع للمعهد الفدرالي العالي للتقنية في زيورخ معرضا يشرح فيه الأساس الهندسي لبناء متحف آيا صوفيا التركي، بعد سنوات من البحث وتحليل مئات الوثائق المتعلقة ببنائه.

الإبداع المعماري
جمعت كنيسة أيا صوفيا العديد من الافكار المعمارية التى كانت موجودة فى ذلك الوقت بل هى تعتبر قمة المعمار البيزنطى فى مجال البازيليكات .
فالكنيسة مستطيلة الشكل على الطراز البازيليكى بالاضافة إلى وجود القبة فى المنتصف على جزء مربع ،و يتقدم المبنى الـ Atrium الضخم الامامى المحاط بالـ Porticus من الثلاثة جوانب ثم الـ Natthex والـ Esonarthex ثم الصالة الرئيسية Nave والصالات الجانبية Aisles ، ترسو فوق الصالة الرئيسية القبة الضخمة التى تستند على المبنى مربع سفلى ، أو كانه عبارة عن دعامات ضخمة تحمل فوقها عقود كبيرة تحصر بينهما المقرنصات او الـ Pendentives التى تحمل قاعدة القبة . وتستند القبة من الشرق والغرب على انصاف قباب ضخمة وترسو بدورها على عقود ودعامات سفلية تخفف الضغط على الحوائط, القبة من الداخل مغطاه بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية ، وكما سبق ان وضحنا تفتح فى اسفلها النوافذ للاضاءة . تقع الحلية فى الشرق أيضا وهى مضلعة الشكل فى حين ان المعمودية فى الجنوب .

ويوجد بالفناء درج يؤدى إلى الطابق العلوى المخصص للسيدات اضيف لهذا المركز الدينى بعد ذلك مجموعة من المبانى الدينية الملحقة به والتى كانت تتصل بطريقة ما بالمبنى الرئيسى ، فنجد مجموعة من الكنائس الصغيرة أو Chapels التى تحيط بالمبنى والعديد من الحجرات سواء كانت لرجال الدين او لخدمة اغراض الصلاة.
قدم المعرض نتيجة الدراسة التي انجزها فريق العلماء السويسريين مع نظرائهم على شكل لوحات لرسومات هندسية، حللت أولا التركيب المعماري للبناء، ثم نظرت إلى جميع الرسومات التي خرجت لتضع الصورة النهائية لخطوات بناء “آيا صوفيا” وسيتم طباعة هذه الدراسة في كتاب يضم جميع الرسومات التي تم التوصل إليها مع شرح دقيق لها.

وتوصل العلماء السويسريون إلى أن بناء هذا الصرح المعماري الكبير كان يعتمد على شكل مبسط للغاية يضع الشكل الهندسي “المربع” في جوهره، مركب عليه مربع آخر ولكن بزاوية ميل مختلفة ليتمكن المصمم من رسم دائرة يمر محيطها برؤوس المربعين، التي تصل إلى ثمانية وهي في الأصل الدائرة التي تم تصميم القبة الرئيسية الكبيرة عليها

من المربع إلى الفلك اللانهائي

ويعتقد المعماريون السويسريون أن اختيار المربعين المتعامدين كان على الأرجح للحصول على دائرة أبراج النجوم السماوية، ومركزها القطب الشمالي للأرض، ثم هبط الرسم الأصلي بأربعة أعمدة تحمل أطراف القبة من الدائرة التي ترتكز عليها، في إشارة إلى الجهات الأصلية الأربعة.

قد يبدو الأمر عاديا إلى هنا، لكن المثير الذي توصلت إليه هذه الدراسات هو أن ربط الخطوط التي تصل بين رؤوس زوايا القبة والقاعة التي تغطيها وما حولها من غرف يعطي رسما مطابقا تماما لعلامة “لانهاية” الرياضية، والتي عرفها الفلكيون القدامي بحركة دوران بعض النجوم والكواكب.

ولايعتقد فريق البحث العلمي الدولي أن هذه العلامة كانت بالصدفة، بل يذهبون إلى أن هناك بعدا روحانيا وربما صوفيا وراء هذا التصميم، الذي جاء أولا على الورق وبعد ذلك إلى التنفيذ المعماري، كما استخدم البناؤون آنذاك نفس الأسلوب في جميع أروقة البناء، وحتى القاعات المتشعبة منه، إذ تم تصميم الغرف والقاعات المتاخمة للبهو الرئيس لتدور كلها في علامة المالانهاية، يمثل نقطة التقاء مسارها في الفراغ مركز القبة المركزية، وطبقا لمعادلات الإحتمالات فلا يمكن أن تكون هذه التصميمات قد جاءت بالمصادفة.

ولتأكيد هذه النتيجة قام المعماريون السويسريون ببناء هيكل مصغر لآيا صوفيا، استخدموا فيها الرسومات التي تم التوصل إليها واستكمال ما نقص منها بحسابات المنطق وعن طريق الحاسب الآلي بالطبع، فكانت النتيجة أن الشكل الذي توصل إليه الباحثون مطابق تماما لهيكل المبنى الأصلي في اسطنبول، وهو ما يعني بأن المراحل التي تم تصميم وبناء آيا صوفيا مرت بنفس الخطوات التي توقعها فريق الباحثين، أي اولا التصميم على الورق من المربع، ثم الإنطلاق من مركزه إلى القبة، وبقية الأجزاء.

وتقول السيدة ماري آن ليرين المسؤولة الإعلامية عن المعرض في حديثها إلى سويس انفو، بأن اقبال طلبة هندسة العمارة والعامة والمؤرخين والباحثين في تاريخ تركيا والمسيحية المبكرة كان كبيرا للغاية لمشاهدة هذه اللوحات رغم الفترة القصيرة للمعرض الذي ينتظم من 20 أبريل إلى 18 مايو الجاري فحسب.

وقد اعتبر المتخصصون أن اسلوب البناء هذا يؤكد ترابط العلوم والمعارف في تلك الفترة، إذ ارتبط علم الفلك بالروحانيات مع وكان له أثره على الرياضيات فوضع الجميع في قالب فلسفي تجسد في هذا المبنى، وهو ما يعكس تأثير المعرفة والعلم على صناع القرار في ذاك العصر.

النتيجة التي خلص إليها فريق البحث الدولي هي أن هذا البناء تم تصميمه وتشييده بشكل منطقي رصين، نقل حركة الكون اللانهائية لتدور في رحاب ذلك المكان وتتمركز كلها حول نقطة واحدة فقط، حتى وان تشعبت وتعددت الزوايا والإتجاهات.

أخيرا يؤكد المعرض أنه لم يتم التعرف إلى اليوم على بناء مماثل تم تصميمه بهذا الشكل المعماري والهندسي الدقيق، واتبع هذا المنطق الفلسفي الديني الروحي في مراحل تشييده.