الجفاف و الملوحة


الجفاف والملوحة :

نقص المياه من أكبر المشاكل التي تواجه الزراعة والتنمية ، فالحياة تقترن دائماً بوجود الماء، وقد أشار المولى عز وجل إلى هذه الحقيقة فى كتابه الكريم.. “وجعلنا من الماء كل شئ حي “الأنبياء:30 . ومازالت الزراعة تحظى بالنصيب الأوفر (70%) من جميع المياه المستخدمة فى العالم ؛ أكثر من 240 مليون هكتار أو 18% من الأراضي المزروعة فى العالم يتم ريها بالمياه .

 

 

download-1

 

 

وأكثر من 40% من الغذاء العالمي ينتج من هذه الأراضي .وبالتالي فإن نقص المياه والجفاف المستمر يهدد كثيراً من الدول الأفريقية والآسيوية ويحد من مقدرتها على تغذية شعوبها. وطبقا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة فى عام 2000م فإن 14 دولة أفريقية معرضة لنقص المياه ، وسيلحق بها 11 دولة أخرى بحلول عام 2025م. وطبقا لدراسة أعدها المعهد الدولى لإدارة المياه (IWMI) فإن ثلث سكان العالم سيعيشون فى مناطق جافة بحلول عام 2025م. والولايات المتحدة الأمريكية لم تسلم هى الأخرى من نقص المياه ، فقد تعرضت بعض ولايات الجنوب للجفاف فى الخمس سنوات الماضية، ولأول مرة تدفع الحكومة أموالاً للمزارعين فى ولاية جورجيا حتى يمتنعوا عن رى محاصيلهم بالمياه . وعلى الرغم من التوصل إلى بعض أنواع النباتات العبر جينية والتى تتحمل الجفاف والملوحة، إلا أن استخدامها عملياً فى الزراعة مازال بعيد المنال . فمعظم الأبحاث عليها كانت تجرى فى الصوب الزراعية greenhouses ولذلك فإنه من الصعب الاعتماد على النتائج المتحصل عليها وتطبيقها فى الحقول تحت الظروف الطبيعية الحقيقية . ولكن يمكن استخدام هذه النباتات فى زراعة الأراضي المستصلحة حديثا، وبالتالي نزيد من مساحة الرقعة القابلة للزراعة فى المستقبل . ويجب ألا ننسى أن كثيرا من الأراضي الملحية نشأت من عدم المداومة أو الانتظام فى الرى أو بسبب نوعية المياه المستخدمة. لذلك فإنه يجب أن نعطى الأولوية لأسباب حدوث الملوحة وكيفية التغلب عليها، وإلا فإن الملوحة ستزداد فى التربة بدرجة قد لا تتحملها حتى النباتات المعدلة وراثيا لتحمل الملوحة. وقد توصل بعض الباحثين إلى إنتاج طماطم تتحمل ملوحة أكثر ب 300 مرة مما تتحمله الطماطم العادية .

فى جامعة كورنيل بالولايات المتحدة ، قام الباحثون بقيادة Ray Wu أستاذ الوراثة والبيولوجيا الجزيئية بتطوير نوع من الأرز مقاوم للجفاف والظروف البيئية السيئة. وقد نشأت الفكرة عندما لاحظ العلماء أن بعض النباتات الصحراوية تقلل نشاطها الى ما يقرب من الصفر وتبدو وكأنها ميتة عندما تشح المياه ، ثم تعود ثانية للحياة عندما يسقط المطر. يعتقد العلماء أن هذه الكائنات تنتج نوع من السكر يسمى الترى هالوز trehalose يساعدها على مواجهة الظروف البيئية الصعبة. قام الباحثون بهندسة جينات نبات الأرز من النوع basmati ووضعوا به الجين الذى يشفر لانتاج الترى هالوز (من بكتيريا أ. كولاى E. coli ) ونجحوا فى زراعة هذا الأرز (stress-tolerant rice) وقالوا أنه استطاع المعيشة والنمو بنجاح فى التربة المالحة، وعند درجات الحرارة المنخفضة، وتحت ظروف الجفاف. ويتوقع العلماء أن يحل هذا الأرز الجديد مشكلة الغذاء في المناطق الجافة والمالحة . ورغم النجاح الذى يمكن تحقيقه باستخدام الهندسة الوراثية، إلا أن التغيير الوراثي باستخدام الطرق التقليدية مازال محل تقدير واهتمام العلماء. فقد تمكن الباحثون من رابطة غرب أفريقيا لتنمية الأرز (W.A.R.D.A) ومقرها ساحل العاج � من خلط الأرز الأفريقى بالأرز الآسيوي لإنتاج أرز هجين hybrid يسمى NERICA ومعناها أرز جديد لأفريقيا. يستطيع هذا الأرز الهجين المعيشة والنمو تحت ظروف الجفاف فى أفريقيا، بالإضافة إلى أن إنتاجيته تفوق إنتاجية الأرز التقليدي وبالتالي يمكن استخدامه فى سد جانب كبير من الاحتياجات الغذائية للسكان في المناطق الجافة من أفريقيا. ومن المعروف أن إنتاج الغذاء في دول الجنوب الأفريقي يتناقص منذ الستينيات من القرن الماضي . وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد نوعين رئيسيين من الأرز فى العالم هما الأرز الأفريقى والأرز الآسيوي ، والشيء الغريب أن حوالى 80% من الأرز الذى تنتجه أفريقيا هو أرز من النوع الآسيوي، 15% فقط من النوع الأفريقي .

 

 

download-2

 

 

ب- تحسين خواص المنتجات الغذائية Quality Traits :

شهد عام 1994م أول منتج نباتى يتم تطويره باستخدام الهندسة الوراثية وطرحه فى الأسواق للاستهلاك البشرى … إنها طماطم الفلافر سافر flavr savr التى أحدثت ضجة إعلامية فى ذلك الوقت وتحدث عنها الناس باعتبارها بداية لثورة جديدة تشهد معها الأسواق أنواع من المنتجات الزراعية لم يعرفها الناس من قبل . والفلافر سافر تم تعديلها بحيث تبقى على أغصانها حتى تصل إلى تمام النضج وحسن الطعم ، بالإضافة إلى إمكانية تخزينها لفترة أطول بعد الحصاد دون أن تتلف ، على العكس من ذلك الطماطم التقليدية (الغير معدلة) حيث يتم حصادها وهى مازالت خضراء ومتماسكة كى لا تنعصر أو تتلف قبل وصولها إلى المستهلك ، وأحيانا يتم إنضاجها بعد الشحن صناعيا بغاز الايثيلين. ورغم ذلك، لم تحقق الفلافرسافر النجاح المتوقع بالأسواق نظرا لارتفاع أسعارها من ناحية، ولعدم استساغة طعمها من ناحية أخرى، الأمر الذى أدى إلى توقف إنتاجها والبحث عن بدائل أفضل.ويعتبر تحسين القيمة الغذائية للمحاصيل من أهم الوسائل التى يمكن بها علاج أمراض نقص أو سوء التغذية malnutrition خاصة فى الدول النامية. فمثلا، الأرز الذهبى والطماطم الغنية بالبيتاكاروتين يفيد فى علاج نقص فيتامين A (أ)، البطاطس الغنية بالبروتين تفيد فى حالات نقص البروتين والأحماض الأمينية، وفول الصويا الغنى بالزيوت غير المشبعة يفيد فى تخفيض نسبة الكوليسترول والوقاية من تصلب الشرايين، والطماطم الغنية بالليكوبين lycopene مفيدة للوقاية من أمراض القلب والسرطان…الخ .

 

 

download

 

 

 

1- الأرز الذهبى Golden Rice :

يعانى أكثر من 130 مليون طفل فى شتى أنحاء العالم من نقص فيتامين A ، يموت منهم 2 ملايين طفل كل عام، ويصاب بالعمى ملايين آخرين. هذا النقص فى الفيتامين يحدث بسبب الاعتماد على محصول أو اثنين من المحاصيل الأساسية كغذاء.فمثلاً الأرز لا يحتوى على المقادير الكافية من البيتاكاروتين التى توفر الاحتياجات المقررة من فيتامين (A) والبيتاكاروتين betacarotene ، هو المركب الذى يتكون منه فيتامين (A) فى
الجسم و12 وحدة من البيتاكاروتين تتحول فى الجسم إلى وحدة واحدة من فيتامين (A) ، وبالإضافة إلى وظيفته فى المحافظة على النظر فإنه يساعد على تأخير الشيخوخة والتقليل من مضاعفات مرض السكر ومخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان ويحسن من وظيفة الرئتين ، ويوجد بكثرة في الجزر والخضر والفاكهة الصفراء والبرتقالية مثل المانجو والكانتالوب والمشمش والكيوى والبطاطا (الحلوة) والبروكلى والسبانخ. ويظهر نقص فيتامين (A) بوضوح فى قارة أسيا حيث يمثل الأرز المحصول الرئيسى فى غذاء السكان (تنتج أسيا 90% من محصول الأرز العالمي). فى جنوب شرق آسيا يصاب 5 ملايين طفل كل عام بالعمى ولو جزئيا على الأقل. وتقدر الاحتياجات اليومية من الفيتامين بحوالي 600 ميكروجرام (مكجم)، إلا أن السيدات الحوامل والمرضعات يحتجن أكثر من ذلك (ألف مكجم)، علماً بأن الجزرة الواحدة التى تبلغ 7 بوصات تعطى الجسم حوالى 2 مكجم من فيتامين (A) ولكن يجب الحذر من تناول جرعات تزيد عن الحدود المسموح بها نظرا لسميته . استطاع الدكتورIngo Potrykus من المعهد الفيدرالى السويسرى والدكتور Peter Beyer من جامعة Freiburg من تطوير سلالة من الأرز تنتج البيتاكاروتين فى الحبة نفسها (أوراق الأرز الخضراء التى لا تؤكل تحتوى على بيتاكاروتين) . وبسبب أن البيتاكاروتين يضفى لونا أصفر على الحبوب، فقد أطلق عليه الأرز الذهبى golden rice . أما الأساس العلمى الذى تم على أساسه تم تطوير هذا النوع من الأرز فقد استغرق حوالى عقدين من الزمان وتكلف ملايين الدولارات . باختصار ، فإن الأرز الذهبى ما هو إلا أرز يابانى تم تحويره جينيا بحيث يحتوى على دورة ميتابولزمية جديدة new pathway يتحول خلالها مركب طليعى للبيتاكاروتين precursor إلى البيتاكاروتين نفسه، في الجزء الداخلي الذي يؤكل من الحبة أو ما يطلق عليه الإندوسبرم endosperm. تكوين هذه الدورة الجديدة تطلب عزل اثنين من جينات نبات النرجس البرى daffodil وجينا آخر من البكتيريا وتكوين توليفة جينيه جديدة genetic construct تم إدخالها وإدماجها بنجاح فى جينوم الأرز اليابانى. هذه التركيبة الجينية الجديدة استطاعت أن تنتج ثلاث إنزيمات مختلفة فى نبات الأرز أدت إلى إنتاج البيتاكاروتين. وحتى الآن لم تعرف الجهة أو الهيئة التى ستتحكم فى توزيع هذا الأرز ومن الذى سيجنى أرباحه.، والبعض ينادى بجعله مجانا أمام شعوب البلدان النامية .