العمارة المعاصرة


مفهوم العمارة المعاصرة

العمارة المعاصرة  منشاة مؤلفة من كتلة وفراغات ، وظيفتها استيعاب نشاط إنساني، كالإسكان والعبادة والعمل والدفاع ، وشروطها المتانة والراحة .

ولقد ابتدأت العمارة في العصر الحجري بدائية قوامها الحجر الضخم أو الخشب ، وكان الهدف إيواء الساكنين وحمايتهم من العدوان ، وإلى جانب الحجر والخشب ظهرت مادة الطين (اللبن) والطين المشوي (الآجر) .

ومنذ بداية التاريخ أصبحت العمارة فناً يتطلب دراسة هندسية واهتماماً جمالياً ، بدا ذلك في العمارات الأولى في مصر القديمة وبلاد الرافدين ، وظهرت الأساليب والطرز المعمارية التي تحمل هوية متميزة وجمالية خاصة .

لقد كان الهم الأول أن يقيم المعمار الجدران، ولقد عثر في المريبط في سوريا على جدران طينية مدعمة بالخشب ، تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد ، كما عثر في أريحا في فلسطين على جدران حجرية مشذبة تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد .

والهم الثاني كان أن يقيم المعمار السقوف ، فلقد كانت السقوف في العمارة البدائية مسطحة أو أشبه بالقباب ، ومثالها ما زال واضحاً في قباب البيوت القروية في شمالي سورية ، وكانت مادة هذه السقوف الأغصان والطين .

 

 

 

العمارة المعاصرة

 

 

تطور العمارة :

تطورت عمارة القباب فأصبحت مداميك دائرية من الطين أو الحجر ،

وكذلك كان تطور عمارة القبوات والعقود والأقواس .

ولحمل السقوف كانت الأعمدة عنصراً إنشائياً ، تحول إلى عنصر جماي تجمعت عبقرية المعمار في تصميمه ، كما في العمود المصري القديم ، أو في الأعمدة الإغريقية والرومانية .

ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تطورت صناعة الحديد الصلب ، لكي تصبح المادة الإنشائية الأساسية في العمارة ، سواء كتسليح الإسمنت ، أو كتوليف معدني ذي شكل هندسي أو لين كما في برج إيفل ( Eiffel ) .

وقد ساعد الحديد في إنشاء عمارات سامقة هي ناطحات السحاب ، مؤلفة من عدد متزايد من الطبقات ، وفي المباني البرجيةوصل ارتفاعها إلى خمسمائة متر ، معتمدة علىالهياكل الحديدية

أو الفولاذية التي تدعم عمارتها .

كما استعمل الإسمنت البورتلاند ملاطاً وتسليحاً على يد المعمار مونييه ، الذي ابتكر الحصيرة المعدنية التي تتسلح بالإسمنت، ثم أصبح بالإمكان صنع قوالب معدنية للإسمنت .

وأفادت القوالب المعدنية والخشبية في تنفيذ تشكيلات معمارية جمالية ، كما ساعدت في تطوير فن العمارة باتجاه الحداثة التي تخلت عن جميع الطرز والقواعد السابقة في فن العمارة وأفسحت في المجال إلى حرية التشكيل المعماري .

وإذا كان تطور الإنشاء في العمارة هاماً ، فإن المعمار لم يبخل في جميع المراحل عن ابتكار الشكل الفني ، فالعمارة حجم فراغي مؤلف من سطوح قائمة وأفقية، ومن ذروات مختلفة الأشكال، ومن فتحات تبدو على شكل نوافذ أو أبواب، وكان على المعمار أن يستفيد من هذه التشكيلات الوظيفية، كي تحقق الانسجام والتآلف الجمالي .

العمارة الحديثة بوصفها علماً :

انقسمت العمارة الحديثة على الرغم من سيطرة العقل والعلم والوظيفة ، إلى هندسة إنشائية ، ومعمارية ، الأولى تعنى بالنواحي العلمية المحضة لتحقيق الإنشاء الأكمل ، والثانية تسعى إلى تقوية ملكة الإبداع والفن في العمارة ، ليتكاملا سوية .

إلا أن عمارة القرن العشرين كانت من صنع المهندسين على الرغم من المعماريين ، لذلك فقدت العمارة الطابع الجمالي على حساب التشكيل الإنشائي الذي فرضه العلم.

فقد كانت عمارة القرن العشرين عقلية بسبب انتمائها إلى التقنيات الحديثة ، وإلى هيمنة الفعل الإنشائي المتطور باستعمال الخرسنة ، التي بدت نبيلة بذاتها في عمارة الكنائس التي صممها “بيره” 1952 مع أخويه وكانوا رواد الخرسانة المسلحة .

كذلك شهد القرن العشرين تحولاً شاملاً في فن العمارة تحت لواء الحداثوية،عارضاً جميع التقاليد المعمارية،مقبلاً على استغلال التقنيات المبتكرة والتي ساعدت المعمار على إبداع أشكال معمارية مختلفة خاضعاً للوظيفة التي تحكم العقل في تقريرها وتنفيذ مطالبها العمارة الحديثة.

أطلق على النظام المعماري في هذا القرن اسم “الأسلوب الجديد” في فرنسا، واسم “الأسلوب الحديث” في أمريكا ، وفي ألمانيا قاد الأسلوب الجديد المعمار “بيتر بهرنز” .

الفن الحديث في العمارة

دخل الفن الحديث بيوت الأثرياء والفقراء على حد سواء. فالستائر والوسائد والأواني وحتى أغلفة الكتب اتبعت الطراز السائد، وتلقفت النمسا – المجر هذا الفن لتسمو به الى آفاق بعيدة. ورغم سيطرة الفن الحديث على الكثير من الفنون الصناعية كالعمارة والديكور، والطباعة، وصناعة الأثاث وغير ذلك، فإن تأثيره على الفنون التشكيلية والموسيقية كان ضعيفاً، ومع ذلك نكتشف في موسيقى الفرنسيين ديبوسي (1862-1918) ورافيل(1875-1938) الكثير من ألوان الفن الحديث وخطوطه وأناقته وروحيته، ويبقى الفنان التشكيلي النمسوي غوستاف كليمت (1867-1918[/B]) أعظم ممثلي الفن الحديث وأشهرهم. كما ارتبط الفنان الفرنسي الكبير “تولوز لوتريك” بهذا الفن في ملصقاته الشهيرة التي روجت لحانات باريس وملاهيها، مثل مولان روج.
ويمكن تصنيف الفن الحديث على أنه فرع من فروع المدرسة الانطباعية، إذ نلمس فيه أيضاً الأهمية القصوى للألوان، ولا يمكن فصل ظهور هذا الفن عن التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي الذي وصلته أوروبا في ذلك العصر، فالصناعة قد ترسخت وتطورت بفضل عاملين هما: تقدم التقنية، والنهب الاستعماري المتواصل والكثيف للثروات المستعمرات.

وفي ذلك الوقت بدأت ثمرة الرخاء في أوروبا تنضج بعد أن رويت بعرق شعوب المستعمرات وجيوش العمال ودموعهم ودمائهم، والذين كانوا يعيشون في ظروف حياتية بائسة. وأخذت الاكتشافات العلمية العظيمة في الكيمياء والفيزياء تتوالى في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومنها ما كان له صلة مباشرة بالفنون كابتكار التصوير الفوتوغرافي.

ولا ننسى أن روح العصر التي سادت عند ولادة القرن العشرين كانت نابعة من العلم والصناعة واشتداد الحراك الاجتماعي، وهي التي حددت معالم الاتجاهات الفنية أكثر من أي وقت مضى.

الثقافة المعمارية الحضرية :

إن مسألة التلوث البصري الذي يصيب واجهات المدين الحديثة والتي تلافى فيها أصحابها بعض النقص المعماري لتأمين الخدمات التقليدية ، جعل المدينة الحديثة خيمة مرقعة .

يشهد على ذلك منظر مناشر الغسيل التي تغطي واجهات المدينة وقد تركت كسوتها دونما طلاء غالباً ، أو طليت بألوان متنافرة بعيدة عن الانسجام والجمال .في حين انطلقت العمارة الحديثة من التصميم الذي يخضع للغة موحدة في إنتاج الأشكال والأوان ، لتحقق اتصالا مقبولاً بين العمارة والجمهور ، وهذا أقل ما تسعى إليه المدينة الحديثة .

فالثقافة الحضرية تنشأ من التوافق بين الذوق العام وبين المنشآت المعمارية ، وعندما نخترق هذا التوافق إننا نفقد الثقافة الحضرية كلياً . هكذا يبقى على المخطط المعماري أن يتلافىالنواقص الوظيفية التقليدية حتى في البناء الحديث .

إن مسألة التوفيق بين شكل البناء الحديث والوظائف التقليدية ، هي من أبرز إشكاليات الحداثة المعمارية في عصرنا هذا ، فطرحت العديد من المبادرات لحل هذه الإشكالية اعتبر بعضها بداية لمنهج تطويري معماري ملتزم ، وأهمها مبادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة وضعت منهاجاً لتطوير العمارة المحلية يقوم على :

· تحقيق التناسق والجمال في التصميم والإنشاء .

· احترام المقياس الإنساني في الكتل والفراغات ، وتحقيق الأمن والراحة والمتعة .

· الاهتمام بالطابع المحلي الذي يغني تعددية الإبداع المعماري .

· استخدام التقنيات الحديثة والمواد المساعدة على تطوير العمارة باتجاه الأصالة وباتجاه خدمة الإنسان في هذا العصر المتطور جداً .

· اعتماد التصاميم الحديثة المناسبة المجتمع .

· تحقيق رغبات الساكن وحاجاته ضمن حدود المحافظة على الهوية .

العمارة المعاصرة وجوانبها

لا زال هدف العمارة تحقيق سعادة الناس وراحتهم ، ومازال المعمار يبحث عن الوسيلة لتحقيق هذا الهدف من خلال الإبداع .

والمعمار الناجح هو القادر أبداً على تحقيق التلاحم بين العمارة والتجديد ، هذا التلاحم العضوي الذي يعكس التلاحم الفرد والمجتمع ، بين العالم الداخلي والخارجي ، هذه المتناقضات التي تتولى البنيوية العضوية دمجها عن طريق العصرنة الوظائفية والتشكيلية الفراغية التي تتمثل بالعمل المعماري المعاصر .