الهيدروجين وخلايا الاحتراق


من المنتظر أن يلعب الهيدروجين دوراً ريادياً في مجال الطاقة في المستقل، ولا سيما أن المواد الأولية لإنتاجه غزيرة، ودائرة إنتاجه واستعماله تمتاز بتوافق عالٍ مع شروط التنمية المستدامة. وبإمكان نظام طاقي يعتمدل على الهيدورجين كحامل طاقي أن يجعل المصادر الطاقية المتجددة في متناول المستهلك. والتطور التكنولوجي المتزايد الذي نتابعه في مجالات إنتاج الهيدروجين وأساليب تخزينه وطرق نقله وميادين استعماله سيفرضه حتماً على نطاق واسع. ويتحلى الهيدروجين بخصائص فيزيائية وكيميائية ممتازة تمنحه صفحة “المحروق المستقبلي الشامل”.

والتقدم الحاصل بالموازاة في تطوير خلايا الاحتراق دليل على إمكانية تجاوز معضلة خزن وتوزيع الطاقة من أصل متجدد. تُنتج هذه الخلايا الطاقة الكهربائية مباشرة بتحويل الطاقة الكيميائية بكفاءة عالية. زيادة على أن مردود اشتغال الخلايا قد يصل إلى 60 في المائة فهي تمتاز بمحافظتها على البيئة ومرونة عالية في الاستعمال. ويمكن لبعض هذه الخلايا وخاصة التي تعمل على درجة حرارية مرتفعة أن تستعمل محروقات متنوعة وذلك لتوافرها على قدرة ذاتية لاستخلاص الهيدروجين مبائرة من هذه المحروقات. نقترح في هذه الورقة تقديم الهيدروجين كحامل طاقي مستقبلي، وتقديم واقع تكنولوجيا خلايا الاحتراق.

لقد حقق الإنسان عبر تاريخه الطاقي تآلفاً بينه وبين المجال الطاقي المتوفر لديه والذي يعيش منه على مرحلتين كبيرتين: تعرف الأولى بطول مدة استغلاله الطاقات المتجددة من حرارة الشمس والرياح وجريان المياه وخاصة طاقة الكتلة العضوية. وظلت القدرة الطاقية المتوفرة والتي يتحكم فيها الإنسان خلال هذه المرحلة جد ضعيفة، تحد من طموحاته وقدراته في مسيرة التقدم ومسيرة تطوير وتنمية مجتمعه. وبدأت المرحلة الثانية نهاية القرن الثامن عشر مع بداية الثورة الصناعية، وصاحب وتيرة التصنيع خلال هذه الفترة استنزاف سريع للمخزون الطاقي الأحفوري. ومما لا شك فيه أن استهلاك الطاقة بالشراهة التي كانت لازالت تستفحل إلى يومنا هذا، سيحدث أضراراً بالغة في التوازن الإنساني والطبيعي وسيتسبب في المزيد من الكوارث الإيكولوجية وغيرها التي باتت تهدد سكان الأرض والإنسانية.

 

 

%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%aa

 

 

أمام هذا الوضع الحالي الذي لا تحسد عليه طبيعتنا التي تطلب منها تكوين الرصيد الطاقي الأحفوري عشرات الملايين من السنين، وأمام المشاكل البيئية الناتجة عن الاستعمال المفرط وغير المسئول لهذه المصادر، تجد الإنسانية نفسها لأول مرة في تاريخها أمام تحديات جسام تفرض عليها اتخاذ بسرعة وحزم القرارات الصائبة لتصحيح من جديد مسارها الطاقي. مجال التفكير واتخاذ القرارات شاسع طيعاً، ولكن ستظل في كل الأحوال القرارات التي ستضمن تواجداً ملائماً للإنسنان في بيئته وطبيعته التي فطره الله عليها هي القرارات الصائبة.

فمن المنتظر أن تعود الإنسانية من جديد إلى اعتماد المصادر المتجددة: الشمس (الطاقة الحرارية والطاقة الإشعاعية والرياح والأمواج) والأرض (طاقة الجاذبية والمد والجزر في البحار والمحيطات)، وتحل محل المصادر الأحفورية، وما التقدم الظاهر الذي أحرزته طاقة الرياح وطاقة الكهرضوئية إلا دليل واضح وضمانات مقدمة مسبقاً على أن العصر الشمسي في بداية طريقه للقيام بدوره المنتظر.

وحسب عدد من مؤسسات البحث والتنمية وعدد كبير من الصناعيين، الهيدروجين هو المرشح الذي سيلعب دوراً ريادياً في الانتقال من العصر الأحفوري الحالي إلى العصر الشمسي. وتضافر من جهة غزارة المادة الأولية لإنتاج الهيدروجين ونعني بهذا الماء، ومن جهة أخرى الخصائص الفيزيائية والكيماوية التي يمتاز بها هذا الغاز سواء عند إنتاجه أو استعماله، سيجعلان منه الحامل الطاقي الشامل. والجهود المبذولة في مجالي البحث والتنمية سيسمحان بكل تأكيد من خفض كلفة وتحسين كفاءة إنتاج الهيدروجين وكذلك نقله وخزنه وتوزيعه.

الهيدروجين غاز لا رائحة له ولا لون له وليش بغاز سام. له خصائص فيزيائية وكيميائية ممتازة تُخوِّلُه من أن يكون الوقود الشامل. في حين أن غاز الهيدروجين لا يوجد حراً في الطبيعة فإن ذرة هيدروجين متوفرة بغزارة فائقة في الطبيعة، فهو العنصر الرئيسي في تركيبة الكون بحيث تصل نسبته لإلى 90 في المائة، و66 في المائة من مياه البحار مُتكوِّنة من ذرات الهيدروجين و63 في المائة من جسم الإنسان يتكون من ذرات الهيدروجين. بعض خصائص الهيدروجين مع مقارنتها بمثيلاتها الميتان والبنزين. يمتاز الهيدروجين بقدرته الحرارية الكتلية العالية: 120 ميغاجول للكيلوغرام، وهي ثلاثة أضعاف القدرة الحرارية للبنزين.

ينتج عن تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين تحرير كمية كبيرة من الحرارة (282 كيلوجول لكل جزئ من الهيدروجين المتكون من ذرتين)، ويُصاحب هذا التفاعل تكون الماء. وتصل حرارة اللهب الذي يكاد لا يرى عند احتراق الهيدروجين بأكسجين المتواجد بالهواء إلى 2318، ورغم أن للهيدروجين مجالاً واسعاً للاشتعال في الهواء، فإن خطورة اشتعاله تلقائياً أو انفجاره محدودة. وهذا راجع إلى قدرته الكبيرة على الانتشار بسرعة في الهواء، فالهيدروجين يتسرب دائماً في الهواء إلى الأعلى ويتقلص تركيزه بسرعة. ونظراً لصغر حجم حزئ الهيدروجين، يمتاز بقدرة عالية على النفاذ من خلال الأغشية والمواد ذات المسام، وهذه الخاصية ترفع من كلفة نقله ةخزنه ةخاصة عند استعماله كوقود في وسائل النقل.