تيارات الحداثة والنهضة الفكرية في العمارة العربية


تيارات الحداثة تتجلى أهمية التواصل في مختلف صنوف المعرفة والعلم بين الأجيال المتعاقبة في نقل الخبرات المكتسبة والعلوم المتوارثة، وتظل الملازمة والتلمذة المباشرة من الوسائل الأكثر فاعلية في هذا الإطار أكثر مما تفعله الكتب وحدها، وتزداد أهمية هاتين الوسيلتين اللتين تعتمدان المعاصرة والمعايشة و بخاصة في المهارات والمواهب ذات الصفة العملية كالحرف اليدوية والمهارات الفنية والصنائع والفنون التي تعتمد تهذيب الحواس أكثر من تلك التي تعتمد على تنمية الموهبة والقدرة الذهنية وحدها. والعمارة بتعريفها كفن علمي تقع ضمن الفنون التطبيقية التي تعتمد الموهبة الفنية والقدرة العقلية على حد سواء، إذ يتطلب العمل المعماري أو التخطيطي موهبة فنية للتعبير عن الأفكار والإبداعات المعمارية فيما يتعلق بالعمارة، وتنسيق الحدائق، والتخطيط، كما يتطلب إضافة إلى ذلك قدرة ذهنية ودراية علمية في جمع مختلف العلوم المتخصصة كالإنشاء والعلوم المتعلقة الأخرى التي تحتاجها المباني لتقوم بدورها الوظيفي. أما في مجالات التخطيط فيتطلب المعماري المخطط إلماماً أوسع بمجالات أكثر تخصصا كعلوم الاجتماع والنقل والسياسة والاقتصاد، كما يتطلب علم تنسيق المواقع إلماماً بأمور متعلقة بعلوم النباتات وغيرها.

 

العمارة الإسلامية
العمارة الإسلامية

 

ومن هنا فانه يتطلب للارتقاء بها (بشقيها العلمي والفني) ونقل الخبرات المكتسبة بها من جيل لآخر هذين الإطارين مجتمعين (ملازمة الرواد من المخططين والمعماريين مع التعليم المباشر لتطوير المواهب الفنية اليدوية واكتساب الخبرات المتوارثة وتنمية القدرة الذهنية على التفكير المبدع الخلاق، إلى جانب صقل المهارات والاطلاع من خلال المعرفة العلمية بالقراء ة والترحال لتنمية المواهب العقلية وتوسيع المدارك).

 

 

وقد شهدت العمارة العربية المعاصرة خلال العقدين الماضيين نشاطا ملحوظا في إطار التعليم المعماري تزامن مع تبلور جيل الرواد الأول من معماريي العرب المعاصرين، ومما ساعد على تسارع هذه الحركة التعليمية ظهور الهيئات والمؤسسات التي عنيت بشؤون العمارة العربية الإسلامية المعاصرة ومن أبرزها مؤسسة الآغاخان للعمارة الإسلامية التي اهتمت بدعم المؤتمرات التي تطرح قضايا العمارة والتخطيط في العالم الثالث، إضافة إلى تخصيص جوائز دورية تمنح لأبرز الأعمال المعمارية أو التخطيطية في العالم العربي والإسلامي، واهم من ذلك أنها اتخذت من معاهد العلم المتميزة منابر علمية لها مثل جامعات (هارفارد و م، آي،ت) بأمريكا حيث أرسلت البعثات الطلابية مما شحذ الطاقات العلمية لدى الطلبة والجيل المعاصر إضافة إلى انفتاح العلماء في تلك الجامعات والطلاب المبعوثين على حد سواء على قضايا العمارة والتخطيط في العالم العربي.

 

كما أن مؤسسة الآغاخان عملت على التعريف بشكل واسع النطاق بإعلام العمارة العربية المعاصرة، إذ توجت جهود المعماري حسن فتحي على مدار خمسين سنة بتنصيبه أول رئيس لجمعية ترشيح الجوائز، و من خلال مجلتها (معمار) تمت تغطية هذه الحركة النشطة من التعليم والفكر المعماري، إضافة إلى المجلات المعمارية والكتب المتخصصة من إصدارات الآغاخان وغيرها كمجلة (البناء) السعودية التي كان لها دور مهم في دعم وتوسيع مدارك أولى طلائع الجيل الجديد من المعماريين إضافة إلى التعريف بالجيل الأول من الرواد من خلال أعمالهم وطروحاتهم الفكرية. هذه النهضة الفكرية التي نمت مع السبعينيات وتسارعت مع الثمانينيات قادت إلى أمرين مهمين في العمارة العربية المعاصرة: الأول، هو تبلور فكر معماري معاصر بين مجموعة من المعماريين العرب عماده الدعوة لتبني التراث كنقطة انطلاق نحو التجديد والمعاصرة وهم جيل الرواد المذكورين، الثاني، هو تبلور جيل من المعماريين الشبان الذين أنتجتهم الحركة التعليمية والفكرية سابقة الذكر، والذين يشكلون بشكل أو بآخر امتدادا لجيل الرواد الأول إما من خلال المعاصرة والملازمة المباشرة